صفحة جزء
( 5969 ) فصل : فإن حلف لا يكلم إنسانا ، فكلمه بحيث يسمع ، فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ، حنث ; لأنه كلمه ، وإنما لم يسمع لغفلته ، أو شغل قلبه . وإن كلمه ، ولم يعرفه ; فإن كانت يمينه بالطلاق ، حنث . قال أحمد ، في رجل حلف بالطلاق ، أن لا يكلم حماته ، فرآها بالليل ، فقال : من هذا ؟ : حنث ، قد كلمها . وإن كانت يمينه بالله تعالى ، أو يمينا مكفرة ، فالصحيح أنه لا يحنث ; لأنه لم يقصد تكليمه ، فأشبه الناسي ، ولأنه ظن المحلوف عليه غيره ، فأشبه لغو اليمين . وإن سلم عليه ، حنث ; لأنه كلمه بالسلام .

وإن سلم على جماعة هو فيهم ، وأراد جميعهم بالسلام ، حنث ; لأنه كلمهم كلهم ، وإن قصد بالسلام من عداه ، لم يحنث ; لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع ، وإن لم يعلم أنه فيهم ، ففيه روايتان ; إحداهما : يحنث ; لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم . والثانية ، لا يحنث ; لأنه لم يقصده . ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق ; لأنه لا يعذر فيهما بالنسيان والجهل ، في الصحيح من المذهب ، وعدم الحنث على اليمين المكفرة . فإن كان الحالف إماما ، والمحلوف عليه مأموما ، لم يحنث بتسليم الصلاة ; لأنه للخروج منها ، إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة . ويحتمل أن لا يحنث بحال ; لأن هذا لا يعد تكليما ، ولا يريده الحالف .

وإن حلف لا يكلم فلانا ، فكلم إنسانا ، وفلانا يسمع ، يقصد بذلك إسماعه ، كما قال :

إياك أعني واسمعي يا جاره

حنث نص . عليه أحمد ، قال : إذا حلف لا يكلم فلانا ، فكلم إنسانا ، وفلان يسمع ، يريد بكلامه إياه المحلوف عليه ، حنث ; لأنه قد أراد تكليمه . وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث ، فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيادا ، فعزم زياد على الحج ، فجاء أبو بكرة فدخل قصره ، وأخذ ابنه في حجره ، فقال : إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب ، وقد علم أنه غير صحيح . ثم خرج ، ولم ير أنه كلمه . والأول الصحيح ; لأنه أسمعه كلامه يريده به ، فأشبه ما لو خاطبه به ، ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية