( 5984 ) فصل : فإن
علق الطلاق على مستحيل ، فقال : أنت طالق إن قتلت الميت . أو شربت الماء الذي في الكوز . ولا ماء فيه . أو : جمعت بين الضدين . أو : كان الواحد أكثر من اثنين . أو على ما يستحيل عادة ، كقوله : إن طرت . أو : صعدت إلى السماء . أو : قلبت الحجر ذهبا . أو : شربت هذا النهر كله . أو : حملت الجبل . أو : شاء الميت . ففيه وجهان ; أحدهما ، يقع الطلاق في الحال ; لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ، ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني ، فلم يصح ، كاستثناء الكل ، كما لو قال : أنت طالق طلقة لا تقع عليك . أو : لا تنقص عدد طلاقك . والثاني ، لا يقع ; لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ، ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال ، كقوله :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
أي لا آتيهم أبدا .
وقيل : إن علقه على ما يستحيل عقلا ، وقع في الحال ; لأنه لا وجود له ، فلم تعلق به الصفة ، وبقي مجرد الطلاق ، فوقع . وإن علقه على مستحيل عادة ، كالطيران ، وصعود السماء ، لم يقع ; لأن له وجودا ، وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام ، وكرامات الأولياء ، فجاز تعليق الطلاق به ، ولم يقع قبل وجوده . فأما إن علق طلاقها على نفي فعل المستحيل ، فقال : أنت طالق إن لم تقتلي الميت . أو : تصعدي السماء . طلقت في الحال ; لأنه علقه على عدم ذلك ، وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني ، فوقع الطلاق ، كما لو قال :
أنت طالق إن لم أبع عبدي . فمات العبد . وكذلك لو قال :
أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز . ولا ماء فيه . أو : لأقتلن الميت . وقع الطلاق في الحال ، لما ذكرناه .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب ، عن القاضي ، أنه لا يقع طلاقه ، كما لو حلف ليصعدن السماء ، أو ليطيرن ، فإنه لا يحنث . والصحيح أنه يحنث ; فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث ، قال الله تعالى : {
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } إلى قوله : {
وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } . ولو حلف على فعل متصور ، فصار ممتنعا ، حنث بذلك ، فلأن يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى .