صفحة جزء
( 6090 ) مسألة قال : ( وإذا قال : قد ارتجعتك . فقالت : قد انقضت عدتي قبل رجعتك . فالقول قولها ما ادعت من ذلك ممكنا ) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها ، في مدة يمكن انقضاؤها فيها ، قبل قولها ; لقول الله تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } . قيل في التفسير : هو الحيض والحمل . فلولا أن قولهن مقبول ، لم يحرجن بكتمانه ، ولأنه أمر تختص بمعرفته ، فكان القول قولها فيه ، كالنية من الإنسان فيما تعتبر فيه النية ، أو أمر لا يعرف إلا من جهتها ، فقبل قولها فيه ، كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأما ما تنقضي به العدة ، فلا يخلو من ثلاثة أقسام ; : القسم الأول أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء ، وأقل ذلك ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين ، وعلى الخلاف في القروء ، هل هي الحيض أو الأطهار ؟ فإن قلنا : هي الحيض ، وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما ، فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوما ولحظة ، وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ، ثم تحيض بعده يوما وليلة ، ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ، ثم تحيض يوما وليلة ، ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ، ثم تحيض يوما وليلة ، ثم تطهر لحظة ، ليعرف بها انقطاع الحيض ، وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها ، لمعرفة انقطاع حيضها ، ولو صادفتها رجعته لم تصح .

ومن اعتبر الغسل في قضاء العدة ، فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض . وإن قلنا : القرء الحيض ، والطهر خمسة عشر يوما . فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما ولحظة تزيد أربعة [ ص: 406 ] أيام في الطهرين . وإن قلنا : القروء الأطهار . وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما ، فإن عدتها تنقضي بثمانية وعشرين يوما ولحظتين ، وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها ، فتحتسب بها قرءا ، ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوما ، وبينهما حيضتان يومين ، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة ، انقضت عدتها . وإن قلنا : الطهر خمسة عشر يوما . زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين ، فيكون اثنين وثلاثين يوما ولحظتين . وهذا قول الشافعي فإن كانت أمة ، انقضت عدتها بخمسة عشر يوما ولحظة على الوجه الأول ، وتسعة عشر يوما ولحظة على الوجه الثاني ، وبأربعة عشر يوما ولحظتين على الوجه الثالث ، وبستة عشر يوما ولحظتين على الوجه الرابع . فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا ، لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم ; لأنه لا يحتمل صدقها . وإن ادعت انقضاء عدتها في أقل من شهر ، لم يقبل قولها إلا ببينة ; لأن شريحا قال : إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر ، وجاءت ببينة من النساء العدول من بطانة أهلها ، ممن يرضى صدقه وعدله ، أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث ، وتغتسل عند كل قرء وتصلي ، فقد انقضت عدتها ، وإلا فهي كاذبة . فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قالون . ومعناه بالرومية : أصبت أو أحسنت .

فأخذ أحمد بقول علي في الشهر . فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر ، صدقها ، على حديث : { إن المرأة اؤتمنت على فرجها } . ولأن حيضها في الشهر ثلاث حيض يندر جدا ، فرجح ببينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه ، فقبل قولها من غير بينة . وقال : الشافعي : لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين ، ولا يقبل في أقل من ذلك بحال ; لأنه لا يتصور عدة أقل من ذلك . وقال النعمان : لا تصدق في أقل من ستين يوما . وقال صاحباه : لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين يوما ; لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام ، فثلاث حيض تسعة أيام ، وطهران ثلاثون يوما .

والخلاف في هذا ينبني على الخلاف في أقل الحيض ، وأقل الطهر ، وفي القروء ما هي ، وقد سبق ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر . ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة ، ولا سمعت فيه دعوى ، ولا يتصور إلا بما قلناه . فأما إن ادعت انقضاء العدة في أقل من ذلك ، لم تسمع دعواها ، ولا يصغى إلى بينتها ; لأننا نعلم كذبها . فإن بقيت على دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا ; فإن بقيت على دعواها المردودة ، لم يسمع قولها ; لأنها تدعي محالا ، وإن ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها ، أو فيما يمكن منها ، قبل قولها ; لأنه أمكن صدقها . ولا فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية ، والمسلمة والكافرة ; لأن ما يقبل فيه قول الإنسان على نفسه ، لا يختلف باختلاف حاله ، كإخباره عن بينة فيما تعتبر فيه بينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية