صفحة جزء
[ ص: 389 ] فصل : فإن جاء رجل ، فقال : ما قتله هذا المدعى عليه ، بل أنا قتلته . فكذبه الولي ، لم تبطل دعواه ، وله القسامة ، ولا يلزمه رد الدية إن كان أخذها ; لأنه قول واحد ، ولا يلزم المقر شيء ; لأنه أقر لمن يكذبه . وإن صدقه الولي ، أو طالبه بموجب القتل ، لزمه رد ما أخذه ، وبطلت دعواه على الأول ; لأن ذلك جرى مجرى الإقرار ببطلان الدعوى . وهل له مطالبة المقر ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، له مطالبته ; لأنه أقر له بحق ، فملك مطالبته به ، كسائر الحقوق . والثاني : ليس له مطالبته ; لأن دعواه على الأول انفراده بالقتل ; إبراء لغيره ، فلا يملك مطالبة من أبرأه . والمنصوص عن أحمد ، رحمه الله ، أنه يسقط القود عنهما ، وله مطالبة الثاني بالدية ، فإنه قال ، في رجل شهد عليه شاهدان بالقتل ، فأخذ ليقاد منه ، فجاء رجل ، فقال : ما قتله هذا ، أنا قتلته : فالقود يسقط عنهما ، والدية على الثاني .

ووجه ذلك ما روي ، أن رجلا ذبح رجلا في خربة ، وتركه وهرب ، وكان قصاب قد ذبح شاة ، وأراد ذبح أخرى ، فهربت منه إلى الخربة ، فتبعها حتى وقف على القتيل ، والسكين بيده ملطخة بالدم ، فأخذ على تلك الحال ، وجيء به إلى عمر رضي الله عنه فأمر بقتله ، فقال القاتل في نفسه : يا ويله ، قتلت نفسا ، ويقتل بسببي آخر فقام فقال : أنا قتلته ، ولم يقتله هذا . فقال عمر : إن كان قد قتل نفسا فقد أحيا نفسا . ودرأ عنه القصاص . ولأن الدعوى على الأول شبهة في درء القصاص عن الثاني : وتجب الدية عليه ; لإقراره بالقتل الموجب لها . وهذا القول أصح وأعدل ، مع شهادة الأثر بصحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية