( 973 ) مسألة : قال : ( وإن
صلى وفي ثوبه نجاسة ، وإن قلت ، أعاد ) وقد ذكرنا أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة ، ولا فرق بين كثيرها وقليلها ، إلا فيما نذكره بعد ، إن شاء الله تعالى . وممن قال : لا يعفى عن يسير البول مثل رءوس الإبر
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يعفى عن يسير جميع النجاسات ; لأنه يتحرى فيها بالمسح في محل الاستنجاء ، ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح كالكثير ، ولأنه يشق التحرز منه ، فعفي عنه كالدم .
ولنا : عموم قوله تعالى {
: وثيابك فطهر } . وقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16966 : تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه } ولأنها نجاسة لا تشق إزالتها ، فوجبت إزالتها كالكثير ، وأما الدم فإنه يشق التحرز منه ، فإن الإنسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكة أو دمل ، ويخرج من أنفه وفيه وغيرهما ، فيشق التحرز من يسيره أكثر من كثيره ، ولهذا فرق في الوضوء بين قليله وكثيره .
[ ص: 409 ] مسألة : قال : ( إلا أن يكون ذلك دما أو قيحا يسيرا مما لا يفحش في القلب ) أكثر أهل العلم يرون
العفو عن يسير الدم والقيح . وممن روي عنه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وابن أبي أوفى ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة ،
ومحمد بن كنانة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه ، وأصحاب الرأي . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ينصرف من قليله وكثيره . وقال
الحسن : كثيره وقليله سواء . ونحوه عن
سليمان التيمي ; لأنه نجاسة . فأشبه البول .
ولنا ، ما روي عن
عائشة ، قالت : قد كان يكون لإحدانا الدرع ، فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ، ثم ترى فيه قطرة من دم ، فتقصعه بريقها . وفي لفظ : ما كان لإحدانا إلا ثوب ، فيه تحيض ، فإن أصابه شيء من دمها بلته بريقها ، ثم قصعته بظفرها . رواه
أبو داود .
وهذا يدل على العفو عنه ; لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها ، وهو إخبار عن دوام الفعل ، ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدر إلا عن أمره ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولا مخالف لهم في عصرهم ، فيكون إجماعا . وما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فقد روي عنه خلافه ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم بإسناده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان يسجد ، فيخرج يديه ، فيضعهما بالأرض ، وهما يقطران دما ، من شقاق كان في يديه ، وعصر بثرة فخرج منها شيء من دم وقيح ، فمسحه بيده وصلى ، ولم يتوضأ . وانصرافه منه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه ، فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه ، ولأنه يشق التحرز منه ، فعفي عنه كأثر الاستنجاء .
( 975 ) فصل : وظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أن اليسير ما لا يفحش في القلب . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : إلا إذا كان فاحشا أعاده . وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه سئل عن الكثير ؟ فقال : شبر في شبر . وقال في موضع ، قال : قدر الكف فاحش . وظاهر مذهبه ، أنه ما فحش في قلب من عليه الدم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ما فحش في قلبك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14242الخلال : والذي استقر عليه قوله في الفاحش ، أنه على قدر ما يستفحشه كل إنسان في نفسه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل : إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، في موضع الدرهم : فاحش . ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي ، وأصحاب الرأي ; لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16828 : تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم } .
ولنا أنه لا حد له في الشرع ، فرجع فيه إلى العرف ، كالتفرق والإحراز ، وما رووه لا يصح ، فإن الحافظ
أبا الفضل المقدسي ، قال : هو موضوع . ولأنه إنما يدل على محل النزاع ، بدليل خطابه ، وأصحاب الرأي لا يرونه حجة . ( 976 ) فصل : والقيح ، والصديد ، وما تولد من الدم ، بمنزلته ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد قال : هو أسهل من الدم
[ ص: 410 ] وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
والحسن أنهما لم يرياه كالدم .
وقال
أبو مجلز ، في الصديد : إنما ذكر الله الدم المسفوح . وقال
أمي بن ربيعة ، رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوسا كأن إزاره نطع من قروح كانت برجليه . وقال
إسماعيل السراج : رأيت حاشية إزار
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قد ثبتت من الصديد والدم من قروح كانت بساقيه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، في الذي يكون به الحبون : يصلي ، ولا يغسله ، فإذا برئ غسله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ومحمد بن كنانة مثل ذلك . فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن مثله من الدم ; لأنه لا يفحش منه إلا أكثر من الدم ، ولأن هذا لا نص فيه ، وإنما ثبتت النجاسة فيه لأنه مستحيل من الدم إلى حال مستقذرة .
( 977 ) فصل : ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا ، بحيث إذا جمع بلغ هذا القدر ، ولو كانت النجاسة في شيء صفيق ، قد نفذت من الجانبين ، فاتصل ظاهره بباطنه ، فهو نجاسة واحدة . وإن لم يتصلا ، بل كان بينهما شيء لم يصبه الدم ، فهما نجاستان ، إذا بلغا - لو جمعا - قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنهما ، كما لو كانا في جانبي الثوب ( 978 ) . فصل :
ويعفى عن يسير دم الحيض ; لما ذكرنا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، وعن سائر دماء الحيوانات الطاهرة . فأما
دم الكلب والخنزير فلا يعفى عن يسيره ; لأن رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن شيء منها ، فدمه أولى ، ولأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه ، كالماء إذا أصابه . وهكذا كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها ، لم يعف عن شيء منه لذلك .
( 979 ) فصل : ودم ما لا نفس له سائلة ، كالبق ، والبراغيث ، والذباب ، ونحوه ، فيه روايتان ; إحداهما ، أنه طاهر . وممن رخص في دم البراغيث
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس والحسن ،
والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت وحماد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وإسحاق ; ولأنه لو كان نجسا لنجس الماء اليسير إذا مات فيه ، فإنه إذا مكث في الماء لا يسلم من خروج فضلة منه فيه ، ولأنه ليس بدم مسفوح ، وإنما حرم الله الدم المسفوح . والرواية الثانية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال في دم البراغيث إذا كثر : إني لأفزع منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : اغسل ما استطعت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في دم البراغيث : إذا كثر وانتشر ، فإني أرى أن يغسل .
والأول أظهر . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إني لأفزع منه . ليس بصريح في نجاسته ، وإنما هو دليل على توقفه فيه ، وليس المنسوب إلى البراغيث دما إنما هو بولها في الظاهر ، وبول هذه الحشرات ليس بنجس ، والله أعلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : دم السمك طاهر ; لأن إباحته لا تقف على سفحه ، ولو كان نجسا ، لوقفت الإباحة على إراقته بالذبح
[ ص: 411 ] كحيوان البر ، ولأنه إذا ترك استحال فصار ماء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : هو نجس ; لأنه دم مسفوح ، فيدخل في عموم قوله تعالى {
أو دما مسفوحا } .
( 980 ) فصل : واختلفت الرواية في
العفو عن يسير القيء ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه قال : هو عندي بمنزلة الدم ; وذلك لأنه خارج من الإنسان نجس من غير السبيل ، فأشبه الدم . وروي عنه في المذي أنه قال : يغسل ما أصاب الثوب منه ، إلا أن يكون يسيرا . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14242الخلال ، بإسناده قال : سئل
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار عن المذي يخرج ، فكلهم قال : إنه بمنزلة القرحة ، فما علمت منه فاغسله ، وما غلبك منه فدعه ، ولأنه يخرج من الشباب كثيرا ، فيشق التحرز منه ، فعفي عن يسيره ، كالدم .
وكذلك المني إذا قلنا بنجاسته . وروي عنه في الودي مثل ذلك ، إلا أن الظاهر عنه أن حكمه حكم البول ; لأنه من مخرجه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أيضا أنه يعفى عن
ريق البغل والحمار وعرقهما ، إذا كان يسيرا . وهو الظاهر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14242الخلال : وعليه مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبي عبد الله ; لأنه يشق التحرز منه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : من يسلم من هذا ممن يركب الحمير ، إلا إني أرجو أن يكون ما خف منه أسهل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : وكذلك ما كان في معناهما من سباع البهائم ، سوى الكلب والخنزير ، وكذلك الحكم في أبوالها وأرواثها ، وبول الخفاش .
قال
الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وحماد nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت : لا بأس ببول الخفافيش . وكذلك الخفاش ; لأنه يشق التحرز منه ، فإنه في المساجد يكثر ، فلو لم يعف عن يسيره لم يقر في المساجد . وكذلك
بول ما يؤكل لحمه ، إن قلنا بنجاسته ; لأنه يشق التحرز منه لكثرته . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : لا يعفى عن يسير شيء من ذلك ; لأن الأصل أن لا يعفى عن شيء من النجاسة ، خولف في الدم وما تولد منه ، فيبقى فيما عداه على الأصل .