صفحة جزء
( 985 ) مسألة : قال : ( وما خرج من الإنسان ، أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها من بول أو غيره ، فهو نجس ) يعني ما خرج من السبيلين ، كالبول ، والغائط ، والمذي ، والودي ، والدم ، وغيره . فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا ، إلا أشياء يسيرة ، نذكرها إن شاء الله تعالى . أما بول الآدمي ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { في الذي مر به وهو يعذب في قبره إنه كان لا يستبرئ من بوله } . متفق عليه . وروي في خبر { أن عامة عذاب القبر من البول . }

وأما الودي ، فهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر ، فحكمه حكم البول سواء ; لأنه خارج من مخرج البول ، وجار مجراه . وأما المذي ، فهو ماء لزج رقيق يخرج عقيب الشهوة ، على طرف الذكر ، فظاهر المذهب أنه نجس . قال هارون الحمال : سمعت أبا عبد الله يذهب في المذي إلى أنه يغسل ما أصاب الثوب منه ، إلا أن يكون يسيرا . وقد ذكرنا الاختلاف في العفو عن يسيره فيما مضى وروي عن أحمد - رحمه الله - أنه بمنزلة المني . قال في رواية محمد بن الحكم : إنه سأل أبا عبد الله عن المذي أشد أو المني ، قال : هما سواء ، ليسا من مخرج البول ، إنما هما من الصلب والترائب ، كما قال ابن عباس : هو عندي بمنزلة البصاق والمخاط .

وذكر ابن عقيل نحو هذا ، وعلل بأن المذي جزء من المني ; لأن سببهما جميعا الشهوة ، ولأنه خارج تحلله الشهوة ، أشبه المني فظاهر المذهب أنه نجس لأنه خارج من السبيل ، ليس بدءا لخلق آدمي ، فأشبه البول ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه ، والأمر يقتضي الوجوب . ثم اختلف عن أحمد : هل يجزئ فيه النضح ، أو يجب غسله ؟ قال ، في رواية محمد بن الحكم : المذي يرش عليه الماء ، أذهب إلى حديث سهل بن حنيف ليس يدفعه شيء ، وإن كان حديثا واحدا . وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله حديث سهل بن حنيف في المذي ، ما تقول فيه ؟ قال : الذي يرويه ابن إسحاق ؟ قلت : نعم . قال : لا أعلم شيئا يخالفه .

وهو ما روى سهل بن حنيف ، قال { : كنت ألقى من المذي شدة وعناء ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يجزئك منه الوضوء . قلت : فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه } . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وروي عنه وجوب غسله ، قال محمد بن داود سألت أبا عبد الله عن المذي يصيب الثوب ، كيف العمل فيه ؟ قال : الغسل ليس في القلب منه شيء .

وقال : حديث محمد بن إسحاق ربما تهيبته . قال ابن المنذر : وممن أمر بغسل المذي عمر وابن عباس ، وهو مذهب الشافعي وإسحاق وأبي ثور ، وكثير من أهل العلم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه في حديث المقداد ، ولأنه نجاسة ، فوجب غسلها كسائر النجاسات ، ولحديث سهل بن حنيف . قال أحمد : حديث محمد بن إسحاق لا أعرفه عن غيره ، ولا أحكم لمحمد بن إسحاق ، وربما تهيبته . وهذا ظاهر كلام الخرقي ، واختيار الخلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية