صفحة جزء
( 1081 ) فصل : ولا يسن القنوت في الصبح ، ولا غيرها من الصلوات ، سوى الوتر . وبهذا قال الثوري ، وأبو حنيفة . وروي عن ابن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء . وقال مالك ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، والشافعي : يسن القنوت في صلاة الصبح ، في جميع الزمان ; لأن أنسا قال : { ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا } . رواه الإمام أحمد ، في " المسند " ، وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم .

ولنا ، ما روي ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا ، يدعو على حي من أحياء العرب ، ثم تركه } . رواه مسلم . وروى أبو هريرة ، وأبو مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . وعن { أبي مالك قال : قلت لأبي : يا أبت ، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين ، أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث } . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

والعمل عليه عند أكثر أهل العلم . وقال إبراهيم النخعي : أول من قنت في صلاة الغداة علي ، وذلك أنه كان رجلا محاربا يدعو على أعدائه . وروى سعيد في " سننه " عن [ ص: 450 ] هشيم ، عن عروة الهمذاني ، عن الشعبي قال : لما قنت علي في صلاة الصبح ، أنكر ذلك الناس . فقال علي : إنما استنصرنا على عدونا هذا . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر ، إلا إذا دعا لقوم ، أو دعا على قوم } . رواه سعيد ، وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام ، فإنه يسمى قنوتا . وقنوت عمر يحتمل أنه كان في أوقات النوازل ; فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت ، وروى ذلك عنه جماعة ، فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة .

( 1082 ) فصل : فإن نزل بالمسلمين نازلة ، فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح نص عليه أحمد قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عن القنوت في الفجر ؟ فقال : إذا نزل بالمسلمين نازلة ، قنت الإمام وأمن من خلفه . ثم قال : مثل ما نزل بالمسلمين من هذا الكافر . يعني بابك . قال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن القنوت في الفجر ؟ فقال : لو قنت أياما معلومة ، ثم يترك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قنت على الخرمية أو قنت على الدوام . والخرمية : هم أصحاب بابك وبهذا قال أبو حنيفة والثوري ; وذلك لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه وأن عليا قنت ، وقال : إنما استنصرنا على عدونا هذا ولا يقنت آحاد الناس .

ويقول في قنوته نحوا مما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في القنوت " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وألف بين قلوبهم ، وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم العن كفرة أهل الكتاب ، الذين يكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم إنا نستعينك ، ولا يقنت في غير الصبح من الفرائض . قال عبد الله عن أبيه : كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر . ولا يقنت في الصلاة إلا في الوتر والغداة إذا كان مستنصرا يدعو للمسلمين .

وقال أبو الخطاب يقنت في الفجر والمغرب ، لأنهما صلاتا جهر في طرفي النهار . وقيل : يقنت ، في صلاة الجهر كلها ، قياسا على الفجر ولا يصح هذا ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، القنوت في غير الفجر والوتر

التالي السابق


الخدمات العلمية