الفصل الأول
صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة
كانت الخصومات الكبيرة تحل قديما بمبارزات فردية يلتقي فيها الخصمان لا يزال أحدهما يصاول الآخر حتى يصرعه، ويدع جثته في العراء، كما قال شاعر عربي:
والله لو لاقيتني خاليا لآب سيفانا مع الغالب!
وربما بدأ قادة الجيوش الحرب بهذه المبارزات، قبل أن يتزاحف الجمعان، ويتلاحم العدوان، وتنجلي المعركة عن فوز هـذا أو ذاك..
ثم تسقط بعد ذلك القرى والمدن في أيدي المنتصر...
المهم أن الخسائر الحربية كانت محدودة، وإن كانت النتائج السياسية والاقتصادية والدينية بعيدة المدى..
[ ص: 21 ]
أما الآن فإن الحروب تشارك فيها ابتداء شعوب كثيفة، ويحشر لها الشباب والشيب والرجال والنساء، وتدور رحاها على سواء في البر والبحر والجو، ويتعرض لمغارمها من في المقدمة ومن في المؤخرة وترصد لها الألوف المؤلفة من الجنيهات - قبل اللقاء المباشر - وتنسق لها أشتات القوى المادية والأدبية.
فالناس قبل الحرب الساخنة في حرب باردة ، وقبل الالتحام الدامي في تأهب واستعداد..
وعندما نرمق الشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي نجد كلتا الكتلتين متحفزة متجهزة حتى لا تؤخذ بغتة، وحتى إذا دقت طبول الحرب كان كل فريق مبصرا بحدة ما يفعل كي ينجو أو يغلب...!
والفرد في الشرق أو في الغرب يدري واجبه، ويحمل الأعباء الملقاة عليه برضى، ويعلم أن ذلك قدره فقلما يزيغ عنه..