موقف المسلم في هـذا العصر
ترى ما موقف المسلم في هـذا العصر؟ ماذا يصنع لرسالته في زحام هـذه الحياة؟
إن ألف مليون مسلم بدأوا القرن الخامس عشر من تاريخهم في ظروف عاصفة.
أعداؤهم يعالنون حينا ويواربون أحيانا بنيتهم تجاه الإسلام، سواء صرحوا أو لمحوا فإن أعمالهم تصرخ بما يبيتون!
إنهم يريدون القضاء عليه، وقد رسموا الخطط وبدأوا التنفيذ.
والليالي الحبالى تتمخض عن أحداث كئيبة، فأطرافنا تنتقص يوما بعد يوم، بل صميمنا مهدد بالضياع، والاستعمار الثقافي ملح في محو شرائعنا [ ص: 22 ] وشراعنا، يعينه كتاب مرتدون، أو ساسة مبغضون لكتاب
الله وسنة رسوله..
ونعيد سؤالنا مرة أخرى:
ما موقف المسلم في هـذا العصر الذي تطورت فيه الحروب فانتظم جهازها كل شيء، وتوقح فيه الأعداء حتى قرروا نفض أيديهم منا والبناء على أنقاضنا..؟
إنه لا بد أولا من إعطاء صورة سريعة لعلاقة المسلم بدينه، أو لمطالب هـذا الدين من تابعيه...
المسلم إنسان يعرف ربه معرفة صحيحة، ويقيم صلته به - سبحانه - على مبدأ السمع والطاعة..
وهو يتعاون مع إخوان العقيدة على تأسيس مجتمع يلتزم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وهو - مع هـؤلاء الإخوة - ينشئون الحكومة التي تحمي هـذا المجتمع، وتطوع شئون الحياة كلها؛ لإثبات صبغته وإعلاء شرعته.
ذاك في الداخل، أما في الخارج: فالدولة الإسلامية صاحبة فكرة ترتبط بها، وتتيح لكل ذي لب أن يتعرف عليها، وتصادق أو تخاصم على ضوء من مواقف الآخرين بإزائها.
فمن ترك الفكرة تعرض نفسها لم ير منا إلا الخير، ولا إكراه في الدين، ومن أقام في وجهها العراقيل جفوناه ولا كرامة...
وتطويع الحياة لخدمة الدين عمل شعبي وحكومي في آن واحد، وهو يحتم توجيه النشاط الفردي والجماعي لخدمة الرسائل العامة وتحقيق غاياتها..
والمسلم منذ صلاة الفجر يتحرك في الموضع الذي اختاره القدر له ليعلي كلمة ربه، وإذا كان كفاح العقائد في هـذه الأيام قد فرض تجنيدا إجباريا على كل شيء، فإن مناصرة الإسلام لن تشذ عن هـذه القاعدة. [ ص: 23 ]
ومن ثم فإن كل مسلك يجعل المجتمع الإسلامي أضعف من نظيره الشيوعي أو اليهودي أو الصليبي يعد خيانة أو ارتدادا... وكل تفريط مدني أو عسكري في خدمة الإسلام فهو عصيان لخوف العقبى.
إن الكدح لله هـنا يتجاوز المسجد ليتناول الحقل، والمصنع، والمرصد، والدكان، والديوان، والبر، والبحر، وما يكتب وما يسمع، وقد يتناول خطرات النفوس وأحلام النيام...
الإسلام رسالة توجب على معتنقيها أن يجعلوا مجتمعهم أجدر بالحياة، وأقدر على النجاح.
وكل ما يعين على ذلك فهو دين، أو كما يقول علماء الأصول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.