مثال من السيرة النبوية
لنتتبع هـذا المثال التوضيحي..
فجعفر بن أبي طالب ، لما أجاب
النجاشي ، قال له:
- " كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار.. " فهذه هـي مجموعة المواريث، المعطلة للطاقة البشرية.. ثم واصل كلمته قائلا:
- " فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه.. " وهذه هـي مجموعة الأهداف، والمبررات الجديدة، التي تمثل مصدر الطاقة الجديدة. ثم يضيف مؤكدا:
- " فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به، وحرمنا ما حرم الله علينا، وأحللنا ما أحل.. " فالدلالة واضحة هـنا على تمام عمليات الربط الحضاري، بشكل مستوف للشروط، وذلك على صعيد العينات الفردية، التي ستتحول فيما بعد إلى مجتمع حضاري هـو ( مجتمع المدينة) .
قال تعالى:
( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (الأنفال:63) .
إن التحول الذي أحدثه الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسية صحابته الكرام، هـو الذي يفسر لنا فيما بعد قدرة هـذا المجتمع على (المرابطة الحضارية) ، والعطاء الإنساني الكبير، في مختلف حقول المعرفة البشرية..
لقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم عمليات الربط الحضاري، على مستوييها: النفسي،
[ ص: 128 ] والاجتماعي، وحقق فيها أعلى مستويات الإتقان المنهجي والثقافي، وترك لنا نموذجا لبناء حضاري عالمي شامخ، بمقدوره أن يقدم لنا ( الهداية الحضارية ) كلما استدعيناه بوعي، وفهمناه بعمق.