المحاور الثلاثة للمنهج النبوي
إن المتتبع لحركة التغيير النبوي، يجدها قد سارت بتوافق تام، مع سنن البناء الاجتماعي، التي ترافق دوما ميلاد المجتمعات الحضارية في التاريخ، أعني أن [ ص: 118 ] جهد النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل (الإنشاء الحضاري) الثلاث، والتي سبق وأن أشرنا إليها في فصل سابق وهي:
- مفصل الربط الحضاري للإنسان بالرؤية الكونية الإسلامية.
- مفصل التثقيف الحضاري للمجتمع على المشروع الاجتماعي.
- مفصل البناء الحضاري للرؤية والمشروع في شكل واقع ثقافي وعمراني..
إن التحليل الاجتماعي، والاستقراء التاريخي، لحركة التغيير الاجتماعي، التي ترافق نماذج التغيير الخاضعة لتوجيه نموذج فكري، قد دلا على أن العملية التغييرية تمر بهذه المفاصل، مع اختلاف منهجي في طبيعة الواقع المستهدف بالتغيير، من حيث الوسائل، والأدوات، والكيفيات، والتوجيهات الاجتماعية، تبعا للرؤية الكونية، والإمكان البشري، والفكري، والمادي. فالتغيير الذي أجرته الحركة المسيحية على المجتمع الأوروبي، وأدخلته بذلك إلى العصر العالمي الراهن يشبه التغيير الحضاري الإسلامي، الذي أدخل المجتمع الجاهلي إلى عالم الحضارات في مفاصل التغيير، أي في أنهما معا قد مرا بمفاصل الربط، والتثقيف والبناء. ولكنهما اختلفا في الأسلوب، والفلسفة، والمفهومية، والوسائل، المنهجية. فالتغيير الحضاري المعاصر، الذي تسعى الحركة الإسلامية، والحركة المسيحية إلى تحقيقه، سيمر بنفس المفاصل التغييرية الثلاثة: الربط، والتثقيف، والبناء، ولكن مع اختلاف جوهري في الفلسفة، والمنهج، وكذلك في اختلاف الوسائل، والأدوات، والتقنيات، والكيفيات، إذا قرناها بما كان عليه الوضع في حركة التغيير الإسلامي، والمسيحي الأولي. فالعصر العالمي الراهن أحدث تغيرا مهولا في وسائل، وتقنيات التغيير الاجتماعي، تجب مراعاتها في أي تغيير جديد.
فالوعي الذي يجب أن تتمتع به القيادة التغييرية في حقل التغيير، هـو ضرورة علمها بأن عملية التغيير الحضاري في الطور الأول من أطوارها، تشتمل على [ ص: 119 ] عوالم ثلاثة هـي: عالم الربط الحضاري، وعالم التثقيف الحضاري، وعالم البناء الحضاري، ولكل عالم من هـذه العوالم شروطه، ومتطلباته، ومراحله، ومناهجه، ووسائله، وأساليبه.. وكل إخلال بحاجة أي واحد منها، سوف يؤدي إلى الفوضى، والتصادم داخل الحركة التغييرية، ناهيك عن مسارها الكلي، وخاصة في المجتمع العالمي الراهن.