مفهوم التثقيف الحضاري
إنه بمثابة المرحلة الوسيطة التي تتخصب فيها المشاريع، وتنمو فيها الخبرة باستمرار، وتتوجه نحو الواقع رويدا رويدا، وذلك بعد أن تتم عملية بناء المشروع التغييري، على الصعيد النظري، أي مستوى النفوس، والعقول، التي تمارس عليها عمليات التثقيف، التي ستؤهلها للعيش في ظل ظروف الواقع المعيش، وفيها كذلك تعد مناهج تطبيق مشروع الإصلاح الاجتماعي.
إنها مرحلة حاسمة حقا، لأنها هـي التي تصل الوعي النظري بالوعي الواقعي، وتربط بين المباديء النظرية، والمؤسسات الميدانية، وتؤلف بين الرؤية الكونية ومشروعها العملي، وبين إنسان النظرية الذي يكون في مؤسسات الربط الحضاري، وبين إنسان التطبيق الميداني، الذي يباشر عمليات الإنجاز. فهي مرحلة لازمة لاكتمال نمو الأفكار، ونضج الطروحات، وترسيخ القيم والمباديء، وتجذر الاقتناع بالرسالة وبمشروعها.
فهي الجسر الذي يربط بين عالم ظهور الفكرة، وبداية ارتباط الناس بها، وعالم تجسيدها، وبنائها الموضوعي، وبين أزمة ما قبل الربط الحضاري، التي يعيشها الإنسان والمجتمع، وعالم ما بعد التثقيف الحضاري، الذي يصير فيه الإنسان والمجتمع على استعداد تام، ليعيشا في ظل الواقع الذي قاما لإنجازه.
وبعبارة أخرى: إنها مرحلة تعمير العقول، وتنوير القلوب، وتزكية النفوس، [ ص: 133 ] واكتساب القدرة على البناء، والعلاج لمشكلات المجتمع، وصياغة المناهج الكفيلة بتقديم البدائل العملية للواقع المتأزم. والتثقيف الحضاري للإنسان، وعملية تكوين الخبرات، تحتاج إلى شروط، وموجبات، ومنهجيات، ومؤسسات، تماما كما كان الحال في مفصل الربط الحضاري.
التالي
السابق