المبحث الخامس
ضوابط الترويح في المجتمع المسلم
يتصف كل مجتمع بخاصية تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى، وتنبع تلك الخاصية من روافد عدة، أهمها وأبرزها الدين الذي يعتنقه ذلك المجتمع، وغالبا ما تتشكل بناء عليه العديد من العادات والتقاليد والأعراف التي تتكون على آماد طويلة، لتصبح جزءا لا يتجزأ من كيان المجتمع ونسيجه الخاص به، وبالتالي يقوم أفراد المجتمع بممارستها وتبنيها والدفاع عنها.
ولهذا فإنه من الخطأ أن ننظر للمجتمع بمعزل عن هذه الخصوصية التي يتميز بها، كما لا يمكن تجاهلها حين التعامل مع الظواهر الاجتماعية التي يزخر بها. وغالبا ما يكون لعقيدة المجتمع دور في تحديد خصوصيته، فهناك عملية تفاعل متبادلة بين عقيدة المجتمع، وبين الأنشطة الترويحية التي تمارس فيه.
وتعد الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراد المجتمع ظاهرة اجتماعية تتأثر -كغيرها من الظواهر الاجتماعية الأخرى- بقيم المجتمع العقدية والثقافية، والأفكار، والعادات، والتقاليد،
[ ص: 73 ] وغالبا ما تكون الأنشطة الترويحية السائدة في المجتمع نابعة منها أو متأثرة بها
>[1]
وعلى ذلك فإن الترويح إذا لم يستمد وسائله من البيئة التي يوجد بها فإنه يصبح عاجزا عن العطاء، وعاجزا عن تحقيق الأهداف التي يسعى إليها.. ويقصد بالوسائل هنا:
* الوسائل المادية، مثل الموارد المتاحة من البيئة الطبيعية، ومن الواقع المحلي.
* الوسائل غير المادية المتأثرة بالبعد العقائدي، والثقافي، والفكري للمجتمع
>[2]
ومن هنا فلا يمكننا أن نتعامل مع الأنشطة الترويحية التي يمارسها الإنسان خلال وقت الفراغ في أي مجتمع من المجتمعات بمعزل عن تلك الخصوصية التي يتميز بها المجتمع، وبخاصة عند وضع الخطط للمناشط الترويحية فيه، أو رسم برامجها،
[ ص: 74 ] أو تصميم المنشآت التي يمارس فيها أفراد المجتمع الأنشطة الترويحية التي يرغبها، لأجل ذلك نجد أن العديد من الدراسات تؤكد على ضرورة مراعاة خصوصية كل مجتمع وعدم التصادم معها عند التخطيط.
إننا عندما نراعي قيم المجتمع الذي نخطط برامجه الترويحية، ونضع ذلك في اعتبارنا حين تصميم منشآت البرامج والأنشطة الترويحية، ونأخذ بالاعتبار أيضا أعراف هذا المجتمع، وعاداته وتقاليده، فإننا نضمن النجاح التام بإذن الله، بالإضافة إلى تحقيق أقصى فاعلية في الإنتاجية الاستثمارية للبرامج الترويحية التي نقدمها لذلك المجتمع. وبغير ذلك فـإن الأمر لا يعدو أن يكون هدرا ماليا وبشريا على حساب المجتمع.
لذلك لا عجب أن نرى فشل العديد من البرامج والأنشطة الترويحية التي نخطط لها في عالمنا المعاصر، وما ذلك إلا بسبب النقل الحرفي لأنماط غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية، ودونما مرعاة لخصوصية المجتـمعات التي نقلت منها هذه البرامج الترويحية، أو التي نقلت إليها هذه البرامج، فقد يفشل البرنامج الترويحي
[ ص: 75 ] نفسه الذي نجح نجاحا كبيرا في مجتمع آخر والعكس صحيح، وهذا يعود إلى التباين في المنطلقات العقدية، والخلفيات الثقافية للمجتمعات المنقول منها أوالمنقول إليها.
ومما لا شك فيه أن المجتمع المسلم المعاصر يواجه سيلا من الأشكال والأساليب الترويحية وهي على قسمين:
أحدها: وفد إليها من خارج أرضها، وفي بعضها ما يخالف قيم المجتمع المسلم وأعرافه وتقاليده.
والآخر: نابع من داخل المجتمع ومنطبع بقيمه وتقاليده وأعرافه.
وتتزايد تلك الأشكال والأساليب الترويحية يوما بعد يوم، مما يحتم وضع قواعد عامة وضوابط محددة تقاس عليها تلك المناشط والبرامج لمعرفة مدى مناسبتها للمجتمع من عدمه.
وحتى يحقق الترويح دوره كاملا في المجتمع المسلم، ينبغي مراعاة عدد من الضوابط الشرعية والأخلاقية العامة، التي يمكن إجمالها فيما يلي:
[ ص: 76 ]