الموقف الأول الاكتفاء بالنية الصالحة ، وإهمال شرط صحة العمل وصوابه، وعلاقته بقاعدة ( الأمور بمقاصدها )
>[1]
، وقاعدة ( الغاية تبرر الوسيلة ) .
من المواقف الدعوية الخاطئة، اعتماد بعض الدعاة في أحكامهم على الأعمال والتصرفات، على صلاح النية وسلامة المقصد عند الإقدام على فعل من الأفعال، محتجين بالقاعدة القائلة : (الأمور بمقاصدها ) ، وبحديث
( إنما الأعمال بالنيات ) >[2] ، وغير مكترثين
[ ص: 152 ] بمدى سلامة التصرف وصوابه، مع أن من المتفق عليه أن صلاح الأعمال وقبولها يتوقف على تحقق شرطين اثنين، هـما :
1- سلامة النية، وإخلاص العمل لله عز وجل .
2- صواب العمل، وسداده بموافقته لشرع الله عز وجل .
ولا يغني تحقيق أحدهما دون الآخر.
قال الله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) (الأحزاب:70-71) .
وتتجلى مثل هـذه الأخطاء في مواقف كثير من الدعاة في إنكار بعض المنكرات الخاصة والعامة، حيث يخالف المنكر للمنكر في إنكاره لشروط الأمر والنهي، ويخرج بذلك عن ضوابط الإنكار وقواعده، رغبة منه في إزالة المنكر، فتجره تلك المخالفات إلى الوقوع في منكرات أخرى، قد تكون أكبر من المنكر الذي أراد تغييره، ولا سيما عند إنكار المنكرات العامة !
وكثيرا ما يسكت بعض أهل العلم، وبعض الدعاة، عن مثل هـذه الأخطاء، ويميلون إلى تبرير تلك التصرفات اعتمادا على طيب نية صاحبها ومقصده الصالح، مما يعمق هـذه الأخطاء، ويجعل المنكر مع مرور الزمن معروفا والمعروف منكرا !
ولطالما ضاع الدين بين جهل أبنائه، ومكر أعدائه !!
[ ص: 153 ]
وقد يعمد بعض الدعاة إلى استخدام وسائل غير مشروعة في دعوتهم، أو اعتماد أساليب خاطئة في تطبيق مناهجهم، معتمدين في ذلك على سلامة المقصد، وصلاح النية، غافلين عن أن الشر لا يأتي بخير، وأن الباطل لا يوصل إلى حق وأن الغاية لا تبرر الوسيلة
>[3] ...
وإن مما يعين الدعاة على تلافي هـذا الخطأ :
1- تعميق دراسة العلم الشرعي بين الدعاة، ليقوموا بدعوتهم على بصيرة كما أمر الله عز وجل .
2- الرجوع إلى أهل العلم في المسائل الدقيقة الشائكة، وعدم الاكتفاء فيها بالاجتهاد الشخصي، والنظرة السطحية إلى الأمور.
3- التفريق في معالجة المنكرات بين المنكرات والقضايا العامة والعملية من جهة، وبين القضايا والمنكرات الخاصة والنظرية من جهة أخرى.
فيتولى الفرد المسلم، بعقله الخاص، واجتهاده الشخصي معالجة القضايا الخاصة والنظرية، ويترك معالجة القضايا العامة والعملية إلى الجماعة والعقل العام، لينظر فيها في ضوء الموازنات الدعوية بين الإمكانات والواجبات، والمصالح والمفاسد..
فإن هـذا التفريق أدعى إلى السداد، وأقرب إلى الرشاد، وأكثر
[ ص: 154 ] تحقيقا للإيجابيات من جهة، وأكثر دفعا للشرور والسلبيات، وأبعد عن الوقوع في الفتن من جهة أخرى
>[4]