الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي

الدكتور / محمد أبو الفتح البيانوني

القسم الثاني

القواعد الأصولية والفقهية

وأثرها في ترشيد العمل الإسلامي

المقدمة

وتتناول التعريف بالقواعد الشرعية الخاصة (الأصولية والفقهية ) الأساسية منها والفرعية، وبيان صلتها بالقواعد الشرعية العامة.

سبق في التمهيد لهذا البحث أن عرفت القواعد الشرعية الخاصة بأنها : (القواعد الشرعية التي يغلب عليها التعلق بجانب خاص من الجوانب الشرعية، فيحتاج إليها علم من العلوم أكثر من غيره ) .

وعرفت القواعد الشرعية العامة بأنها : ( القواعد الشرعية المتعلقة بجميع الجوانب الشرعية المتنوعة أو بمعظمها، وإن غلب استخدامها في جانب خاص من الجوانب الشرعية أو أكثر )

ومن هـنا كانت القواعد الأصولية والفقهية أبرز أنواع القواعد الشرعية الخاصة، نظرا لتعلقها بجانب الأصول والفقه من جهة، وللصلة الوثيقة القائمة لعلمي الأصول والفقه بمختلف العلوم الشرعية من جهة أخرى.

وقد اعتنى الكاتبون السابقون في علم القواعد الشرعية بالقواعد الأصولية والفقهية أكثر من غيرها من القواعد، وتناولوها غالبا تحت مسمى ( القواعد الكلية ) أو ( القواعد الفقهية ) [ ص: 117 ] أو ( الأشباه والنظائر ) أو ( الأصول والضوابط ) حتى غلبت المعرفة بها خاصة على الباحثين، وتبادر الذهن إليها عند ذكر القواعد الكلية على الإطلاق، مما جعلني أختار للقواعد اسم ( القواعد الشرعية ) وأقسمها إلى قواعد عامة وخاصة، وأساسية وفرعية، ليشمل المسمى مختلف أنواع القواعد المتعلقة بجميع العلوم الشرعية على السواء، كما أوضحت في التمهيد.

ونظرا لسعة دائرة القواعد الأصولية والفقهية من جهة، ولاشتهارها بين العلماء أكثر من غيرها من جهة أخرى، أفردت الحديث عنها في قسم خاص أتناول فيه نماذج من القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، مع تطبيقات لها في الجانب الدعوي، كما أتناول نماذج من التطبيقات الخاطئة لبعض هـذه القواعد.

وقد تعددت تعريفات العلماء للقواعد الفقهية، على الرغم من تشابه أكثر هـذه التعريفات، فعرفها بعضهم بأنها : ( الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها ) [1] ، كما عرفها بعضهم بأنها : ( حكم أكثري لا كلي، ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها ) [2]

وعرفها أستاذنا الشيخ مصطفى الزرقا - رحمه الله - بأنها : [ ص: 118 ]

( أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية، تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها ) [3] واختار الدكتور علي أحمد الندوي تعريفها بأنها : ( أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه ) [4] .

ومما تجدر ملاحظته هـنا أن معظم الكاتبين في القواعد الكلية جروا على عدم التفريق في التعريف بين القاعدة الفقهية، والقاعدة الأصولية، بل مثل بعضهم لها بقواعد من كلا النوعين.

ولكني نظرا للفرق القائمة بين النوعين في بعض الجوانب والتي أوصلها بعضهم إلى ما يزيد على أربعة فوارق، رأيت مصلحة في التفريق بينها في التعريف على وجه يشير إلى بعض الفروق بينهما، على الرغم من التشابه والتداخل القائم بينهما من الوجوه الأخرى.

فاخترت لتعريف القاعدة الفقهية أنها: ( حكم شرعي كلي، يتناول أحكاما فرعية متنوعة ) ، واخترت لتعريف القاعدة الأصولية أنها: (أصل شرعي كلي، يستدل به على أحكام فرعية متنوعة ) .

ولما كانت الاقتصار على نماذج معدودة لكل من النوعين في المبحثين القادمين، وإجراء تطبيقات عليها على سبيل التمثيل، وإلا فقد يصل [ ص: 119 ]

عددها جميعا إلى آلاف القواعد، ويكفي أن أشير هـنا إلى أن الإمام المقري وحده ذكر في مقدمة كتابه (القواعد ) أنه قصد إلى تمهيد ألف قاعدة ومئتي قاعدة، وأن الإمام السرخسي اشتمل كتابه (المبسوط ) على ما يقارب ألف قاعدة [5] ..وهكذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية