الموقف الرابع
موقف الافتراق بسبب الاختلاف في المسائل الاجتهادية، وعلاقته بقاعدتي : " الجماعة أن تكون مع الحق ولو كنت وحدك " و " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن "
كثيرا ما يفترق المسلمون على أثر خلاف اجتهادي يقع بينهم، فتقع بينهم العداوة والبغضاء، تشيع بينهم الحزبية والتعصب، بعد أن كانوا صفا واحدا أو جماعة واحدة..!!
وكثيرا ما يحتج المفترقون بقاعدة ( الجماعة أن تكون مع الحق
[ ص: 164 ] ولو كنت وحدك ) عندما يعترض معترض على افتراقهم وخروجهم عن جماعتهم، بدلا من أن يتنازل بعضهم إلى رأي بعض، ويحافظوا على وحدتهم وتماسكهم..
وقد سبق لنا عند بحث القواعد الشرعية العقدية أن بينا الخلط الذي يقع فيه أمثال هـؤلاء، حيث ينزلون هـذه القاعدة على المسائل الاجتهادية التي يرى فيها أصحابها أنهم على حق، ويعاملونه معاملة الحق القطعي.
وقلنا : إنه يلزم تنزيل قاعدة : " الجماعة أن تكون مع الحق ولو كنت وحدك "
>[1]
، على الحق النصي القاطع الذي لا يحتمل اختلافا، ولا يقبل اجتهادا، كما يجب أن تنزل قاعدة " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن "
>[2]
، على المسائل الاجتهادية والخلافية المعتمدة على الرأي والفهم، التي ليس عليها دليل شرعي قاطع يحسم الخلاف.
وبهذا ينسجم هـذا الموقف مع الواجب الشرعي تجاه المسائل القطعية والظنية، كما ينسجم مع سيرة السلف الصالح من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان، الذين تقبلوا خلاف بعضهم لبعض في المسائل الاجتهادية، ولم يؤثر خلافهم هـذا في وحدة قلوبهم، واجتماع كلمتهم.
[ ص: 165 ]
فاجتماع المسلمين على خطأ اجتهادي في نظر البعض، خير من افتراقهم على صواب اجتهادي !!
وأكتفي بهذا القدر في التعليق على هـذا الموقف، نظرا لما سبق من تفصيل فيه عند الحديث عن القواعد العقدية.