كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( فيقول ) تفسير للتشهد ( التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) لحديث ابن مسعود ، ولفظه ، قال { كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان فسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله هو السلام ، فإذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله إلى آخره ثم قال : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو } .

وفي لفظ { علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه ، كما يعلمني السورة من القرآن } قال الترمذي : هو أصح حديث في التشهد ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ، وليس في المتفق عليه حديث غيره ورواه أيضا ابن عمر وجابر وأبو هريرة وعائشة ويرجح بأنه اختص بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يعلمه الناس " رواه أحمد .

( وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز ) كتشهد ابن عباس ، وهو " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله " إلى - آخره - ولفظ مسلم ، " وأشهد أن محمدا رسول الله ، وكتشهد عمر " التحيات لله الزاكيات لله ، الطيبات الصلوات لله سلام عليك إلى آخره والتحيات : جمع تحية ، وهي العظمة .

وقال أبو عمرو الملك ، وقال ابن الأنباري : السلام وقيل : البقاء ، والصلوات : هي الخمس وقيل : الرحمة ، وقيل : الأدعية ، وقيل العبادات والطيبات : هي الأعمال الصالحة وقال ابن الأنباري : الطيبات من الكلام ، ومن خواص الهيللة ، أن حروفها كلها مهملة تنبيها على التجرد من كل معبود سوى الله ، وجوفية ليس فيها شيء من الشفوية ، إشارة إلى أنها تخرج من القلب ، وإذا قال " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، نوى به النساء ومن لا يشركه في ظاهر كلامهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم { أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض } ( ولا تكره التسمية أوله ) لما روي عن عمر أنه " كان إذا تشهد قال : بسم الله خير الأسماء " .

وعن ابن عمر أنه كان يسمي أوله ( وتركها ) أي : ترك التسمية أول التشهد ( أولى ) لأن ابن عباس [ ص: 358 ] سمع رجلا يقول ( بسم الله ) فانتهره .

( وذكر جماعة أنه لا بأس بزيادة " وحده لا شريك له ) لفعل ابن عمر ( والأولى تخفيفه ، وعدم الزيادة عليه ) أي : التشهد لحديث أبي عبيدة عن أبيه عن ابن مسعود ، ولقول مسروق " كنا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم " رواه أحمد وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله يصلي ، فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس ، ثم يقوم كأنه كان على الرضف ، أي : الحجارة المحماة بالنار قال : وإنما قصد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، .

( وإن قال " وأن محمدا ) رسول الله ( وأسقط أشهد فلا بأس ) لأنه لا يخل بالمقصود من المعنى ( وهذا التشهد الأول ) في المغرب والرباعية ( ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط ) فرضا كانت أو نفلا ( أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبما بعدها ، فيقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا الأولى من ألفاظ الصلاة والبركة ) عليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله ، لما روى كعب بن عجرة .

قال { : خرج علينا الرسول صلى الله عليه وسلم فقلنا : قد عرفنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } متفق عليه .

( ويجوز ) أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ( بغيره ) أي : غير هذا اللفظ ( مما ورد ) ومنه ما رواه أحمد والترمذي وصححه ، وغيرهما من حديث كعب ، .

وفيه { اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم ، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد } ( وآله : أتباعه على دينه ) صلى الله عليه وسلم وإن لم يكونوا من أقاربه قال تعالى { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } { وإذ نجيناكم من آل فرعون } { وأغرقنا آل فرعون } وقد يضاف آل الشخص إليه ويكون داخلا فيهم كهذه الآيات ( والصواب : عدم جواز إبداله أي : آل بأهل ) لأن أهل الرجل أقاربه أو زوجته ، وآله أتباعه على دينه ، [ ص: 359 ] فتغايرا .

( وإذا أدرك ) المسبوق ( بعض الصلاة مع الإمام ، فجلس الإمام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الأول ، بل يكرره ) أي : التشهد الأول حتى يسلم الإمام ( ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشيء مما يدعى به في التشهد الأخير ) لأنه لم يتعقبه ، ولأنه لا يقصر سلامه .

( فإن سلم إمامه ) قبل أن يتمه ( قام ولم يتمه ) لعدم وجوبه عليه ( إن لم يكن واجبا في حقه ) بأن يكون محل تشهده الأول ، فيتمه لوجوبه عليه ( وتجوز الصلاة على غيره ) أي : غير النبي صلى الله عليه وسلم ( منفردا ) عنه ( نصا ) نص عليه في رواية أبي داود ، واحتج بقول علي لعمر : صلى الله عليك ، وذكر في شرح الهداية : أنه لا يصلى على غيره منفردا ، وحكى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه سعيد واللالكائي عنه قال الشيخ وجيه الدين : الصلاة على غير الرسول جائزة تبعا لا مقصودة ، واختار الشيخ تقي الدين منصوص أحمد .

قال : وذكره القاضي وابن عقيل وعبد القادر ، قال : وإذا جازت جازت أحيانا على كل أحد من المؤمنين فإما أنه يتخذ شعارا لذكر بعض الناس ، أو يقصد الصلاة على بعض الصحابة دون بعض فهذا لا يجوز وهو معنى قول ابن عباس قال : والسلام على غيره باسمه جائز من غير تردد .

التالي السابق


الخدمات العلمية