توطين المناهج التعليمية
إذا كان الإنفتاح على (الآخر) أمرا مستحسنا، فإن نقل علومه ومناهجه مشروط بإجراء ما قد يحتاج إليه النقل من تكييفات تقتضيها رؤى المجتمع الناقل وشروطه الموضوعية، وهذا ما قد سبق أن أشار إليه المستشرق المسلم «
ليوبولد فايس » حين أكد أنه لا يصح نقل المعارف الأوروبية، فلسفية كانت أو أدبية أو تاريخية أو اجتماعية، إلى نظم التعليم في البلدان الإسلامية دون إخضاعها للتقويم والتكييف، فأوروبا - كما يقول - تقبلت المؤثرات العربية المتعلقة بالعلم وأساليبه عن طيب خاطر، لكنها ظلت محتفظة باستقلالها العقلي، ولم تسمح لروح الثقافة العربية الإسلامية التي تستبطنها تلك العلوم أن تتغلل الى بنية الروح الأوروبية، وهذا ما فعله العرب والمسلمون في السابق حين استثمروا المؤثرات الهيلينية «اليونانية المتأخرة»
>[1] دون السماح لذلك الاستثمار أن يحدث شرخا في النسق المعرفي العربي الإسلامي الخاص.
يقول أحد الكتاب الغربيين: «أنا كرجل اقتصادي انظر نظرة غير راضية إلى الكثير من موضوعات علم الاقتصاد التي تدرس في البلاد الجـديدة، فـهي لا تتعلق عمليا بمشكلات هـذه البلاد والحلول اللازمة لها، بل هـي غالبا شرح تقليدي للنماذج والطرق السفسطائية التي تسير عليها جامعة كامبردج ومدرسة
[ ص: 72 ] لندن للاقتصاد، أو حتى جامعة هـارفارد، وأنا كرجـل عادي أتساءل أحيانا عما إذا كان «التعليم الطبي» قد شكل طبقا لأحوال الدول الفقيرة»
>[2] .
لا غرابة إذن أن نقول: إن المنهج إذا كان يمثل بطبيعته لب العملية التعليمية والأساس التربوي لتكوين الذهنية العلمية، فإن نقله عن جامعات الغرب إلى الجامعات العربية والإسلامية على نحو المحاكاة، غير صحيح من الناحيتين العلمية والتربوية، ففي الوقت الذي لا يمكن لأحد إنكار فائدة التعامل مع المناهج الأجنبية، إلا أنه من الضروري اتخاذ موقف نقدي إزاء تلك المناهج، وأن لا يشرع ببناء المنهج الوطني إلا عبر اختيار الوحدات والموضوعات الدراسية بما ينسجم مع الرؤية المعرفية العربية والإسلامية، وعلى النحو الذي تستوعب فيه إشكاليات الواقع واحتياجاته وخصوصياته ومرحلته التطورية
>[3] .
وانطلاقا من ذلك يمكننا أن نسوق مقاربة إجمالية لتوطين مناهج بعض الكليات في الجامعات العربية والإسلامية:
[ ص: 73 ]