مقاربة تطبيقية لتوطين المنهج
مقرر «النظرية العامة للنظام السياسي الإسلامي» أنموذجا
>[1] .
تشكل «النظرية العامة للنظام السياسي الإسلامي» إحدى المواد المهمة التي يمكن إدراجها ضمن برامج معاهد وكليات العلوم السياسية والاجتماعية والشرعية، ونظرا لكون «المحتوى» الذي تقدم في إطاره هـذه المادة فيه الكثير من الخلط وعدم الدقة، كذلك «أهدافها» التي تنطوي على بعض التحريف والغموض، فإنه لا بد من تأصيل المحتوى و «أسلمة» الأهداف وتكييف المنهج وفقا لما يقتضيه الواقع الاجتماعي والبيئة السياسية، مما يعني تبيئة المنهج المذكور وإخضاعه إلى متطلبات التوطين.
أولا: إشكالية إعداد المادة العلمية المكونة لمحتوى المنهج:
إن اختيار المادة العلمية لمقرر «النظرية العامة للنظام السياسي الإسلامي» يواجه بإشكالية اختلاف المعارف والموضوعات التي تفرزها الدراسات في هـذا الخصوص والتي هـي على ثلاثة مناح:
أ- الدراسات ذات الطابع الأدبي
بعض الدراسات التي تناولت موضوعات النظام السياسي الإسلامي قد اتسمت بطابع أدبي أو فكري عام خال من التأصيل والتنظير، كما غلبت
[ ص: 82 ] على معظمها نزعات المديح والتبرير والتبشير، ولم يكن بوسع منهجها الوصفي أن يوفر التدقيق والتحليل المطلوبين، وهذا ما كان يفقد تلك الدراسات الاتساق والتماسك، ومن ثم الصفة العلمية.
إن نماذج هـذا المنحى كثيرة يمكن تبينها في العديد من الكتابات «الدعوية» وغير الأكاديمية التي فاض بها عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وحيث إن معظم تلك الكتابات لا تنطوي على قيمة معرفية أو أهمية علمية، فإن ذلك قد يعفينا من متابعتها.
ب – الدراسات ذات الطابع التاريخي
تناولت هـذه الدراسات نظم الحكم والإدارة التي كانت سائدة في العصور الإسلامية المختلفة على نحو غلبت عليه الصفة التسجيلية، حيث يعرض مركز «الخليفة» وتبين مهامه، كما يتم توضيح الطرق التي تتشكل فيها السلطة وأساليب إسنادها، وما توصلت إليه النظم من أطر إدارية كالوزارات والدواوين والحجابة والحسبة ونحوها، مع اهتمام خاص بالفقه السياسي للفرق والاتجاهات التي كانت معروفة آنذاك، بالإضافة إلى شيء من التحليل المرتبط ببعض الوقائع والممارسات.
إن من أبرز عيوب هـذا المنحى عدم تفريقه بين واقع النظم السياسية التاريخية وبين النظام السياسي الإسلامي بوصفه نظرية يمكن تأصيل بنائها في ضوء الرجوع إلى القرآن والسنة والفقه المناسب.
[ ص: 83 ] كما أن بعض دراساته كانت تستغرقها الآراء التي طرحت من لدن بعض العلماء؛ ظنا بأن تلك الآراء تمثل ثوابت، فيما هـي لا تعدو أكثر من اجتهادات لها ظروفها، أو صياغات ولدتها بعض السياقات.
ولعل في بعـض كتابات الدكاترة:
أحمد شلبي ،
ومحمد الصادق عفيفي ،
ومحمد جلال شرف ،
وعلي عبد المعطي ، ما يمثل نماذج لهذا اللون من الدراسات.
ج - الدراسات ذات الطابع القانوني
حاولت بعض الدراسات التي تعرضت للنظام السياسي الإسلامي محاكاة الدراسات القانونية الحديثة في معالجة موضوعات: الدولة، والسلطة، والشرعية، والمشروعية، والحقوق والحريات، ونحوها في إطار من التنظير الدستوري والمعالجات القانونية، وقد شكل هـذا المنحـى خطوة متقـدمة، إلا أنه لم يكن ليخلو من بعض الإشكالات الفكرية أو المنهجية، التي كان مردها هـيمنة الفقه القديم وبعض الصياغات التاريخية، فضلا عن افتقار مقارباته للرؤى الحديثة في التحليل والتنظير.
إن هـذا المنحى مع ذلك يظل أفضل من سابقيه؛ بحكم اعتماده على المنهج الفقهي المؤصل بالأدلة القرآنية والنبوية، ومحاولته تقديم بعض التجديدات النظرية والقانونية، وقد نجد أمثلة له فيما عالجه عدد من الباحثين الأكاديميين أمثال
الدكتور عبد الحكيم حسن عبد الله ،
والدكتور منير حميد البياتي ، وغيرهم.
[ ص: 84 ] د- الدراسات الأنموذجية
إذا لم يكن بوسع المنحى الأول والثاني أن يقدما تحريرا علميا متطورا لنظرية النظام السياسي الإسلامي، وأن يظل المنحى الثالث هـو الآخر قاصرا للأسباب التي ذكرناها، فـلا بد إذن من البحث عن منحى أنموذجي يمكن من خلاله التعرف على النظرية المذكـورة بشكلها الدقيق، وهو ما قد نتلمسه إلى حد كبير في الدراسات التي تستنبط من القرآن والسنة، وتعتمد الفقه والفكر والتطبيقـات التاريخية عبر منظور متجدد تميزه المبادرات الفكرية والمعالجات التحليلية والصياغات الدستورية التي تستجيب لتساؤلات الواقع ومتغيراته.
إن الدراسات التي يمكنها التعبير عن هـذا المنحى لا يمكنها إلا العمل على بلورة العناصر الأساسية والفرعية للنظام السياسي الإسلامي في إطار من التنظير السياسي والقانوني الذي يستوعب المتغيرات ويستجيب لمطالب المعاصرة وضرورات التجديد.
ولعل في محاولات الدكتور حامد ربيع وتلامذته أنموذجا يعكس الكثير من سمات هـذا المنحى وجوانبه المنهجية.
إذن، وفي ضوء ما ذكرناه وبناء على بعض ما تمخض عن المنحيين الثالث والرابع من معطيات، وما انتهى إليه الباحث عبر دراسته
[ ص: 85 ] للدكتـوراه، التي تعرضت لموضوع النظام السياسي الإسلامي
>[2] سيتم تحديد «محتوى» و «أهداف» المنهج الذي نحن في صدده.
- ظاهرة «منطقة الفراغ»
>[3] في النظرية العامة للنظام السياسي الإسلامي، وانعكاساتها في تشكيل أو تغيير بعض مفردات المنهج وخبراته وأنشطته:
اعترافا بظاهرة التغير والتطـور، التي تفرضها طبيعة الحياة ودينامياتها، ترك الإسلام منطقة فارغة في نظريته السياسيـة، وأناط مهمة إملائها لأهل الفقه والفكر والسلطان، وهو ما نلمسـه في مسائل كشكل الحكم، وتسمية الرئيس الأعلى، وتوزيع السلطات، والصيغ المؤسسية، وأشكال الرقابة والمشاركة الشعبية، وغير ذلك من الأمور التي يمكن إخضاعها للتكييف والتوطين.
وبنـاء على ذلك كان على واضـع المنهج - وهو في صـدد اختيـار المفردات والخـبرات والأنشطـة - أن يتـابع عمـل الفقه
[ ص: 86 ] والفكر والسلطان فيما يتم إنتاجه من اجتهادات وصيغ مستحدثة ليتسنى تنظيـم «المحتوى» ورسم «الأهداف» على نحو توطيـني يستوعب الواقع والمتغيرات
>[4]