المبحث الثاني: في ملامح مراحل وعي
الأمير عبد القادر
يمكن إجمال ملامح وعي الأمير عبد القادر بالتخلف في النقاط التالية:
- المرحلة الأولى: التسليم - بعد نضال طويل - بأن حالة التردي الذي تعيشه الأمة ليس كبـوة، بل إنه انقلاب في موازين القـوى وبشكل لا نظير له لا في الحروب الصليبية ولا في فترة الصراع التركي الإسباني.
- المرحلة الثانية هي مرحلة التساؤل عن الأسباب الداخلية.
- ثم كانت مرحلة التعرف على أسباب القوة القائمة داخل مجتمع (الآخر) الذي كان مجهولا ومهملا إلى فترة قريبة.
وكانت مرحلة تلمس طريق يخرج من وضعية عدم التكافؤ أصعب المراحل؛ لأنها كانت ملغمة بعوائق شتى منها ما هو محلي صرف وما هو من زرع (الآخر)
>[1] .
لقد أكدت مقاومة الأمير أنه لم يكن زعيم مقاومة مسلحة فحسب، بل رجل دولة بالمفهوم الشامل للكلمة، وكان أسره الذي لم يكن متوقعا وطال أكثر مما يجب، قد ساعده على دراسة تجربته، فحلل أسباب هزيمته
[ ص: 202 ] بربطها بالأسباب الداخلية والخارجية. ويؤكد ذلك النشاط المتواصل الذي بذله منذ 1853م لفهم أسباب قوة أوروبا الداخلية والاستفادة من ذلك. ولعل سلوكه هذا هو الذي جعل العديد من المؤرخين (الغربيين) يتساءلون عن سبب تحوله من خصم عنيد إلى دارس منتبه ومعجب بالنموذج الأوروبي. إلا أن إعجاب الأمير بمظاهر التمدن الأوروبي لم يقترن بأي تنازل عن الإيمان بتفوق العقيدة الإسلامية
>[2] .
إن نقطـة الارتـكاز في فهم رجـالات هذه الفترة وخاصة الأمير عبد القادر والوزير أحمد بن أبي الضياف -كما سنرى- للتخلف وأسبابه هي الدولة، الدولة المنيعة والقوية عسكريا وإداريا عند الأمير والدولة العادلة المقيدة بدستور عند الوزير المؤرخ.
[ ص: 203 ]