- أثر الحرية على الفرد والمجتمع:
لا شك أن اتصال الفرد بالجماعة لازم لبناء شخصيته وتربية ملكاته، ولكن يجب أن تستغل هذه القدرات الفردية في سبيل نفع الجماعة، كما تعمل الجماعة لإسعاد الفرد وإشباع حاجاته، فإذا تحكمت الفردية وطغت على الجماعة بدعوى الحرية كانت أنانية حملت على الظلم والفحش والقطيعة، وترتب على ذلك: الاستعباد، والذل والهوان
>[1] . قال تعالى:
( وأما من بخل واستغنى *
وكذب بالحسنى *
فسنيسره للعسرى *
وما يغني عنه ماله إذا تردى ) (الليل:8-11)؛ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( ... إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ) >[2] .
وعلى هذا قامت الرأسمالية في الغرب، وتوسعت في بهرجة فردية الإنسان، وتركت له حرية التصرف حتى وصل الأمر إلى ترك العنان للشهوات والأهواء، فتحطمت الأخلاق، وضاعت القيم، وترك الحبل على الغارب للنهم الاقتصادي، حتى لا يعترف فيه بحق أحد في توجيهه وضبط تصرفاته. كما أن إلغاء الفردية في الجانب الآخر، وكبت الحريات الشخصية
[ ص: 35 ] لحساب المجموع هلاك للفرد ذاته بل وهلاك للجماعة. والإسلام لا يقر هذا أيضا إذ يترك للفرد حريته ليعمل بطاقته شريطة أن ينتفع المجموع وتصان القيم والتعاليم التي وهبها الله للإنسان، وأنعم عليه بها لسعادته وصلاحه، وهو مع ذلك يحافظ على كرامته وحريته فلا يسمح لغيره أن يستعبده حتى لا يهون على الخلائق
>[3] .
مما سبق يتبين: أن الإنسان حر مختار، غير أنه مسؤول فيما لو تعدى على حرية غيره؛ لأن مصادرة الحرية والاختيار تعد جريمة يترتب عليها ألوان من الظلم كالاستعباد، وسحق الإرادة، وكبت الفكرة ونحو ذلك.