- من أبرز مظاهر عولمة التربية عربيا:
وعـلى كل حال، فلعل من أبرز مظاهر عولمة التربية في البلاد العربية ما يأتي:
- استمرار محاكاة نظم التعليم العربية لأنماط التعليم الغربية، التي نشأت في عهود الاستعمار القديم، في إطار احتفاظها ببناها التقليدية، فتنمو وتتطور بنفس تلك البنى، وتأخذ منها نظمها وتنظيماتها، ومحتوى الكثير من المقررات الدراسية، ولا سيما في التعليم العالي، وكذا الأساليب والأنشطة التعليمية، التي تضاف إلى ما هو قائم، ودون تغيرات جوهرية تذكر. وكلما تزايد عجز هذه النظم عن الوفاء باحتياجات المجتمعات العربية ترسخ الشعور بالنقص، وبتفوق نظم التعليم الغربية، وتزايد الاطمئنان بها.
- انتشار التعليم الملائم للحضر حتى وصل إلى أقاصي المناطق الريفية النائية. وهو تعليم يخدم القطاع الحديث في المدن العربية المرتبط بالخارج،
[ ص: 161 ] ناشرا بذلك أنماط حياة الحضر في الريف، والتطلع إليها، ومساهما بدور كبير في إحداث تنمية مشوهة تهمش الريف وتسخر إمكاناته لخدمة الحضر، وتحول الريف من منتج إلى مستهلك لمنتجات الحضر.
- نمو نظم التعليم النظرية، التي تنشر الثقافة الاستهلاكية، على حساب التعليم المهني والتقني والتطبيقي، الذي ضاقت مساحته إلى أدنى حد في أغلب البلاد العربية، وما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة أضرت بالتعليم نفسه، وبالوظائف الحكومية، وبتركيب العمالة، وبزيادة أعداد الشباب المتعلمين العاطلين عن العمل.
- الانتشار السريع لتدريس اللغات الأجنبية في نظم التعليم في البلاد العربية، وخصوصا اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية، بل ثمة مؤسسات تعليمية تدرس كل المقررات الدراسيـة باللغة الإنجليزية، ولاسيما المؤسسات التعليمية الخاصة.
- التصاعد المستمر في نمو مؤسسات التعليم الخاصة المقتصرة على التعليم النظري في التعليم العام، ويغلب عليها التخصصات الإنسانية في التعليم الجامعي، وجميعها تقريبا تدرس باللغة الإنجليزية. بل هناك سباق بينها: إما في تبني نظم وبرامج تعليمية غربية، أو الأخذ بالمناهج التعليمية الغربية، أو محاكاتها في أساليبها وأنشطتها.
- سيـطرت ثقافـة السـوق على جميع نشاطات التعليم شأنها في ذلك شأن تحرير التجارة والسوق، المدعومة من اتفاقية (الجات) التي
[ ص: 162 ] اشترطت على الدول المنضمـة إليها تغيير مناهجها التعليمية، وتحرير الخدمات التعليمية.
- اشتداد المنافسة بين المؤسـسات التعليميـة الحكومية والخاصة، وفيما بين المؤسسات الخاصة، لاجتذاب التلاميذ والطلبة، ويغلب على هذه المنافسة آليات السوق وقيمه المادية الصرفة.
- طغت المكونات النفعية المادية الدنيوية على أهداف التربية ومحتوى التعليم، فكرا وتطبيقا في البلاد العربية، الناتجة عن طغيان القيم المادية، وإعلاء غرائز الجسد؛ فصارت الغايات المادية والقيم الاقتصادية المحاور الأساس، التي تدور حولها الأهداف التربوية، والأنشـطة التعليمية الحديثة؛ مما أحـدث اضطرابا في القيم الروحيـة والأخـلاقية، وتنـاقـضا في الحياة الاجتماعية
>[1] .
- تزايد توجه أنظمة التربية العربية نحو الاستجابة لاحتياجات العولمة الاقتصادية على النطاق العالمي أكثر من استجابتها للاقتصاديات الوطنية، سواء من حيث توفير المهارات والقدرات العلمية القادرة على المنافسة والانتقال عبر الحدود، نتيجة لاعتماد الاقتصاد على العلم والمعرفة، أو من حيث إيجاد أنماط تعليمية -طبقا للأنموذج الغربي- توسع قاعدة المستهلكين، وتقلل من قاعدة المنتجين.
[ ص: 163 ]
- ظهور أنظمة ومؤسسات تعليمية متباينة متناقضة في معظم البلاد العربية بين تعليم حكومي، وتعليم ديني، وتعليم خاص، وتعليم أهلي، وتعليم أجنبي، وبين تعليم نظري وتعليم مهني وتقني، وبين تعليم راقي للحضر، وتعليم متـدني النوعيـة للريف، وبين تعـليم للذكور وتعليم للإناث، وما يترتب على ذلك من وجود ثقافات متباينة.
- تراجعت -على نحو متزايد- الأدوار التربوية التقليدية للمدرسة والأسرة والمسجد لإنتاج وإعادة إنتاج منظومة القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد، التي تؤسس البنى التحتية للثقافة الوطنية.
- التوسع المذهل في استخدام نظم التعليم ومؤسساته في البلاد العربية لتقنيات الاتصالات والإعلام والمعلوماتية في توسيع مساحة التعليم، وفي تجويد عملية التعليم والتعلم، وفي إيجاد بيئات تربوية مفتوحة، وفي أداء مختلف وظائف التعليم، وما تبع ذلك من تحول المؤسسات التعليمية إلى سوق لاستهلاك التقنيات المعاصرة.
- تزايد الاتجاه نحو تحرير التعليم من ظروف المكان والزمان، وظهور بيئات تربوية مفتوحة تتيح لكل دارس أو أي شخص إمكانية تعليم نفسه بنفسه وتنمية قدراته ومهاراته وفقا لاستعداداته وقدراته، وما يريد أن يكون.
- تصاعد -على نحو متزايد- المعلومات التي تصل عن طريق الصور والأشكال والأصوات، التي تصدرها ثقافة وسائل الإعلام والمعلوماتية المتعددة، مستخدمة لغة سمعية بصرية لها قواعدها.
[ ص: 164 ]
- تراجع قيمة المعلومات التي تقدمها المؤسسات التعليمية؛ نتيجة الانفجار المعلوماتي والمعرفي الهائل، بحيث لم يعد في مقدور المؤسسات التعليمية متابعة التفجر المعرفي، كما لم يعد في مقدور الطالب متابعة التفجر المعرفي في تخصصه؛ دون أن تتمكن أغلب مؤسسات التعليم من تجديد أدوارها التقليدية، وإضافة أدوار جديدة.
- طغت ثقافة الصورة السمعية/ البصرية على الثقافة الشفوية المكتوبة في تشكيل شخصيات أبناء المجتمعات العربية، وما ينجم عن ذلك من تفضيل النشء والشباب الصور المرئية وتجربتها الحية عن الكتب، وضياع أوقات طويلة في اللعب
>[2] .
- تم اتخاذ نظم التعليم الغربية معيارا ومرجعية لتطوير نظم التعليم العربية، تنظيـما وإدارة، شكلا ومحتوى، أساليب ونشاطات، وإدارة وأساليب تقويم.
- ظهور اختبارات عالمية تقيس التحصيل التعليمي في العلوم، والرياضيات، والأمية الوظيفية بين البالغين، والقدرة على الأداء في المجتمعات الحديثة، أبرزها: اختبار (TIMS) لدراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات
[ ص: 165 ] والعلوم، والبرنامج الدولي لتقويم الطلبة (PISA)، واستبيان أمية البالغين الدولي (LALS)، والتقويم الدولي في مجال أمية القراءة (PIRLS)
>[3] .
- ظهور معايير عالمية للجودة الشاملة والاعتماد الأكاديمي. ويعني الأخير شهادة دولية تمنح لمؤسسات التعليم العام والعالي منها: (NCAT) مجلس اعتماد إعداد المعلمين
>[4] ، و (qaa) وكالة التقويم الأكاديمي النوعي وضمان جودة التعليم العالي البريطاني، و (ISO) المنظمة الدولية للتوحيد والقياس، وسواها.
- انتشار أنظمة التعليم والتعلم وفقا لشجرة التعليم، ونماذج وصيغ التعليم عن بعد، وصور التعليم الإلكتروني، والكليات والجامعات الافتراضية أو المتخيلة، والتعليم المستمر، والتعليم مدى الحياة
>[5] .
- تباطؤ الإنفاق الحكومي على التعليم مقابل تزايد الإنفاق الأسري والمجتمعي على نظم التربية العربية، فضلا عن تدني قيمته الحقيقية؛ نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية، وارتفاع قيمة مصادر التعلم الحديثة، وارتفاع قيمة تقنيات التعليم، وتوظيفها السليم في أداء مهام النظم التعليمية ومؤسساتها.
[ ص: 166 ]
- انتشار برامج واستراتيجيات تطوير نظم التربية في البلاد العربية في اتجاه شراكة مجتمعية، وشراكة خارجية، وفي اتجاه الحد من تدخل الدول في هذا التطوير.