التمهيد
مقتربات أساسية
عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
( أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وإني رسول الله"؟ قالوا: نعم ، قال: "فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم, فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ) >[1] .
هكذا إذن هو القرآن الكريم منهج حياة، يأخذ بيد من اتبعه إلى سبل النجاة والرشاد في الدنيا والآخرة، الأمر الذي يحتم على المسلمين التمسك به وبمنهجه، إلا أن هذا الكتاب له خصائص تميزه من غيره من الكتب، فهو في الوقت الذي ينطوي على تفاصيل وافرة في بعض النواحي، لكنه جاء مجملا عاما في نواحي أخرى، إنه دستور الأمة، ومن طبيعة الدساتير أنها تأتي مجملة أيضا، لذا تشرع القوانين، التي تحيل المجمل إلى مفصل ليستبين سبيل الالتزام بها.
وواحد من سبل بيان مجمل القرآن الكريم الدراسات، التي تعكف عليه، تفسره وتشرحه وتدخل في ثناياه، وتسبر أغواره لتبيين مقاصده التفصيلية وبيان
[ ص: 7 ] منهجه. ومن مزايا القرآن الكريم اكتنافه على منهج حضاري، ومن هديه مضامينه الحضارية، التي تعد ضرورية لحماية المجتمع الإنساني من التراجع والهلاك والانهيار والسقوط الحضاري، فهو بهذه المضامين يعصم من الضلال ويحمي من الهلاك
>[2] .
وهذه المضامين في طبيعتها منظومة من القيم الحضارية، التي تشكل نسقا من المعايير تحكم طبيعة التحول الحضاري، وتحفظ على وفق أولويات قيمية البيئة الحضارية، التي يؤدي إليها إنجاز أهل الأرض لرسالة السماء وما انطوت عليه في عملية الاستخلاف.
وإذ تمر أمتـنـا اليـوم في مرحـلـة من التـأزم الحضـاري تجـلى في مظـاهر كثـيرة من التراجع والتدهور، فإن ذلك يتطلب إعادة النظر في مجمل الأسس، التي قامت عليها حياتنا المعاصرة لتصحيح مسارها وإعادته إلى جادة الصواب، ويتطلب ذلك فيما يتطلبه تعميق الدراسات الإسلامية والابتعاد بها عن الوعظ والتقريظ، وتجديد الخطاب الإسلامي في مجالاته الرئيسة، وهي الدراسات القرآنية ودراسات السيرة النبوية، فضلا عن الدراسات المتعلقة بالحضارة الإسلامية بعامة
[ ص: 8 ] >[3] .
وبقدر تعلق الأمر بالدراسات القرآنية، فإنه مما ينبغي للدارس ملاحظته تلك المهمة العملية الحركية للقرآن، ويقود إلى هذه الملاحظة مفتاحان هما: النظرة الكلية الشاملة لمضامين القرآن الكريم، ثم الالتفات إلى الأغراض الأساسية: فالتعامل مع القرآن عبر هذين المفتاحين يسهل كشف مهمة القرآن ورسالته، وهي عملية حركية واقعية
>[4] .
ومن هنـا مسـت الحاجة إلى إعادة قراءة القرآن الكريم بوعي تعيد إليه ما أهمله التاريخ من الخصوصية الإسلامية، التي تجعل من طلب العلم عبادة، وتجعل من ممارسة العلم تسبيحا لله وتقديسا له. وأمتنا اليوم تعيش في بؤرة الصراع العالمي، فكرا وثقافة وحضارة، وما لم تتشبث الأمة بخصوصيتها الثقافية وتعبر عن ذلك في فكرها، فإن عوامل الفناء ستتسارع لمحو هذه الخصوصية والقضاء عليها
>[5] .
وما لم تبذل الأمة جهدها الحقيقي في هذا المجال فإن عجلة العولمة ستنال من هويتها، وتفقدها قيمها الخاصة المنبثقة من صميم رسالتها، عندها تكون الأمة قد تاهت في وديان لا مخرج منها أبدا.
[ ص: 9 ]