1260 - مسألة :
فمن
غصب شيئا ، أو أخذه بغير حق ، لكن ببيع محرم ، أو هبة محرمة ، أو بعقد فاسد ، أو وهو يظن أنه له : ففرض عليه أن يرده إن كان حاضرا ، أو ما بقي منه إن تلف بعضه - أقله أو أكثره - ومثل ما تلف منه ، أو يرده ومثل ما نقص من صفاته ، أو مثله إن فاتت عينه - وأن يرد كل ما اغتل منه ، وكل ما تولد منه ، كما قلنا سواء سواء : الحيوان ، والدور ، والشجر ، والأرض ، والرقيق ، وغير ذلك سواء في كل ما قلنا .
فيرد كل ما اغتل من الشجر ، ومن الماشية : من لبن ، أو صوف ، أو نتاج ، ومن العقار : الكراء .
وإن كانت أمة فأولدها ، فإن كان عالما فعليه الحد حد الزنى وبردها وأولادها وما نقصها وطؤه ، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه من حد ، ولا إثم ، لكن يردها ، ويرد أولاده منها رقيقا لسيدها ، ويرد ما نقصها وطؤه - ولا شيء لكل من ذكرنا على المستحق فيما أنفق كثر أم قل .
برهان ذلك - : ما ذكرنا آنفا من القرآن ، وكل ما تولد من مال المرء فهو له باتفاق من خصومنا معنا ، فمن خالف ما قلنا : فقد أباح أكل المال بالباطل ، وأباح المال الحرام ، وخالف القرآن ، والسنن ، بلا دليل أصلا - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ،
nindex.php?page=showalam&ids=16524وعبيد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني وإسماعيل بن أمية ،
nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة ، كلهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50343ألا لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه ، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم } وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين .
[ ص: 431 ] وقد اختلف الناس في هذا ، فقال بعض التابعين وبعض المتأخرين : كل ذلك للغاصب وللمستحق عليه بضمانه .
وقال آخرون : ما تولد من لبن ، أو صوف ، أو إجارة فهو للغاصب والمستحق عليه ، وأما الولد فللمستحق - وفرق آخرون في ذلك بين المستحق عليه وبين الغاصب : فجعلوا كل ذلك للمستحق عليه ، ولم يجعلوه للغاصب - وفرق آخرون بين ما وجد من ذلك قائما وبين ما هلك منه فلم يضمنوه ما هلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه كلها أراء فاسدة متخاذلة ، وحجة جميعهم إنما هي الحديث الذي لا يصح ، الذي انفرد به
مخلد بن خفاف ،
nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد الزنجي " أن الخراج بالضمان " .
ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأنه إنما جاء فيمن
اشترى عبدا فاستغله ، ثم وجد به عيبا فرده ، فكان خراجه له - وهكذا نقول نحن ، لأنه قد ملكه ملكا صحيحا فاستغل ماله لا مال غيره ، ومن الباطل أن يقاس الحرام على الحلال ، ثم لو كان القياس حقا فكيف وهو باطل كله ؟ أو أن يحكم للباطل بحكم الحق ، وللظالم بحكم من لم يظلم ، فهذا الجور والتعدي لحدود الله عز وجل .
ثم لو صح هذا الخبر على عمومه لكان تقسيم من فرق بين الغاصب وبين المستحق عليه ، وبين الولد وبين الغلة ، وبين الموجود والتألف باطلا مقطوعا به ، لأنه لا بهذا الخبر أخذ ، ولا بالنصوص التي قدمنا أخذ ، بل خالف كل ذلك ، فإنما بقي الكلام بيننا وبين من رأى الغلة والولد للغاصب وللمستحق عليه بالضمان فقط ، فالنصوص التي ذكرنا توجب ما قلنا . وأيضا : فإن الرواية من طريق
أبي داود قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى نا
nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب - هو ابن عبد المجيد الثقفي - نا
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب - هو السختياني - عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=85سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35355من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق } .
[ ص: 432 ] فنسألهم عمن صار إليه مال أحد بغير حق ؟ أعرق ظالم هو أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، خالفوا القرآن ، والسنن ، وتركوا قولهم ، وقول أهل الإسلام ، ولزمهم أن لا يردوا على المستحق شيئا ، لأنه ليس بيد المستحق عليه ، ولا بيد الغاصب ، والظالم بعرق ظالم ، وإذا لم يكن عرق ظالم فهو عرق حق ، إذ لا واسطة بينهما .
قال تعالى : {
فماذا بعد الحق إلا الضلال } وهم لا يقولون بهذا - وإن قالوا : بل بعرق ظالم هو بيده ، لزمهم أن لا حق له في شيء مما سرى فيه ذلك العرق .
وهذا في غاية الوضوح - وبالله تعالى التوفيق .
وأما من فرق بين الولد وبين سائر الغلة : فكلام في غاية السخف والفساد ، ولو عكس عليهم قولهم ما انفصلوا منه .
وأما من فرق بين الأولاد الأحياء فرأى ردهم ، وبين الموتى فلم ير ردهم فيقال لهم هل وجب عليه رد كل ما نتجت الأمهات حين الولادة إلى سيدهم وسيد أمهم أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، لزمهم أن لا يقضوا بردهم أصلا أحياء وجدوا أم أمواتا .
وإن قالوا : نعم ، قلنا : فسقوط وجوب ردهم بموتهم كلام باطل لا خفاء به .
ولهم في أولاد المستحقة ممن استحقت عليه أقوال ثلاثة - : فمرة قالوا : يأخذها ويأخذ قيمة ولدها ، ومرة قالوا : يأخذها فقط ، ولا شيء له في الولد - لا قيمة ولا غيرها - ومرة قالوا : يأخذ قيمتها وقيمة ولدها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذه أقوال في غاية الفساد ، ونسألهم عن هؤلاء الأولاد هل وقع عليهم قط في أول خلقهم ، أو حين ولادتهم : ملك سيد أمهم أم لم يقع له قط عليهم ملك ؟ ولا ثالث لهذين القولين ؟ فإن قالوا : بل قد وقع عليهم ملكه ؟ قلنا : ففي أي دين الله عز وجل وجدتم أن تجبروه على بيع عبده أو أمته بلا ضرر
[ ص: 433 ] كان منه إليهم ؟ وما الفرق بين هؤلاء وبين من تزوج أمة فاسترق ولده منها ؟ فهلا أجبرتم سيدها على قبول فدائهم فإن قالوا : على هذا دخل الناكح لم ينو المستحق عليه على ذلك ؟ قلنا : فكان ماذا ، وما حرمت أموال الناس عليهم بنيات غيرهم فيها ، أو أين وجدتم هذا الحكم ؟ وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، وإذ هم في ملكه فهم له بلا شك .
وإن قالوا : لم يقع ملكه قط عليهم ؟ قلنا : فبأي وجه تقضون له بقيمتهم ؟ وهذا ظلم لأبيهم بين ، وإيكال لما له بالباطل ، وإباحة لثمن الحر الذي حرمه الله تعالى ورسوله عليه السلام .
ويقال لمن قال : يأخذ قيمة الأم فقط ، أو يأخذها فقط : لأي شيء يأخذها ، أو قيمتها ؟ فإن قالوا : لأنها أمته ؟ قلنا : فأولاد أمته عبيده بلا شك ، فلم أعطيتموه بعض ما ملكت يمينه وتمنعونه البعض ؟ أو لم تجبرونه على بيعها وهو لا يريد بيعها - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
حميد أن رجلا باع جارية لأبيه فتسراها المشتري فولدت له أولادا فجاء أبوه فخاصمه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فردها وولدها إليه ، فقال المشتري : دع لي ولدي ، فقال له : دع له ولده . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذه شفاعة من
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ورغبة وليس فسخا لقضائه بها وبولدها لسيدها - : ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى نا
عبد الأعلى نا
سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
خلاس : أن أمة أتت طيئا فزعمت أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم فولدت له أولادا ثم إن سيدها ظهر عليها فقضى بها
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان : أنها وأولادها لسيدها ، وأن لزوجها ما أدرك من متاعه ، وجعل فيهم الملة والسنة كل رأس رأسين .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة أن امرأة وابنا لها باعا جارية لزوجها - وهو أبو الولد - فولدت الجارية للذي ابتاعها ثم جاء زوجها فخاصم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ؟ فقال : لم أبع ولم أهب ؟ فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : قد باع ابنك وباعت امرأتك ؟ قال : إن كنت ترى لي حقا فأعطني ؟ قال : فخذ جاريتك وابنها ، ثم سجن المرأة وابنها حتى تخلصا له ، فلما رأى الزوج ذلك أنفذ البيع .
فهذا علي قد رأى الحق أنها وولدها لسيدها وقضى بذلك ، وسجن المرأة
[ ص: 434 ] وولدها - وهما أهل لذلك - لتعديهما ، والأخذ بالخلاص قد يكون المراد به رد الثمن وهذا حق .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن
الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي في
رجل اشترى جارية فولدت له ثم استحقها آخر ببينة ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : ترد عليه ، ويقوم ولدها فيغرم الذي باعه بما عز وهان .
وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور نا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم أنا
nindex.php?page=showalam&ids=17097مطرف - هو ابن طريف - والمغيرة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف : عن
الشعبي ، وقال
مغيرة : عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، ثم اتفق
الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم في ولد الغارة أن على أبيهم أن يفديهم بما عز وهان .
وعن
الحسن : يفدون بعبد عبد .
وقد روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
أيوب بن موسى عن
ابن قسيط عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار قال : قضى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في أولاد الغارة بالقيمة . ورويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
سفيان عن
أيوب بن موسى عن
ابن قسيط عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار قال :
غرت أمة قوما وزعمت أنها حرة فتزوجت فيهم فولدت أولادا فوجدوها أمة فقضى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بقيمة أولادها في كل مغرور غرة .
وقضى
الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب في ولد المغرور بغرة .
وهو أيضا قول
أبي ميسرة ،
والحسن : مكان كل واحد غرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم : على أبيهم قيمتهم ويهضم عنه من القيمة شيء .
وهذا قولنا : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، وأصحابنا ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إلا في ولد المستحق عليه منها فقط ، فإنه ناقض في ذلك .
وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل ابن علية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16453عبد الله بن عون أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ، ثم جاء رجل فادعاه فخاصم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية فيه فاستحقه فقضى له بالعبد وبغلته ، وقضى للرجل على صاحبه الذي اشتراه منه بمثل العبد ، وبمثل غلته ، قال
ابن عون : فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16972لمحمد بن سيرين فقال : هو فهم - فهذان
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين ، يقولان بقولنا في رد الغلة في الاستحقاق .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري قال : إذا اشتريت غنما فنمت ثم جاء
[ ص: 435 ] أمر برد البيع فيه قال : يردها ونماءها ، والجارية إذا ولدت كذلك .
فإن قالوا : فلم فرقتم أنتم بين الغاصب والمستحق فألحقتم الولد بالمستحق عليه ولم تلحقوه بالغاصب ؟ قلنا : نعم ، لأنه لم يختلف اثنان من مؤمن وكافر في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فأسلم الناس وفيهم أولاد المنكوحات النكاح الفاسد والمتملكات بغير حق ، والمتملك ، والناكح يظنان أن ذلك النكاح والملك حق ، فألحقهم بآبائهم ، ولم يلحق قط ولد غاصب ، أو زان بمن وضعه في بطن أمه ، بل قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15830وللعاهر الحجر } والغاصب والعالم بفساد عقده - ملكا كان أو زواجا - عاهران فلا حق لهما في الولد - وبالله تعالى التوفيق .
وهذا مكان خالفوا فيه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا ، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مخالف إلا رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17097مطرف بن طريف عن
الشعبي أن رجلا اشترى جارية فولدت له فأقام رجل البينة أنها له ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ترد إليه ويقوم عليه الولد فيغرم الذي باع بما عز وهان ، فادعوا أنهم تعلقوا بهذه ، وقد كذبوا لأنهم لا يغرمون البائع ما يفدي به ولده ، إلا الرواية المنقطعة التي ذكرنا قبل عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه قضى في أولاد الغارة بقيمتهم والقيمة قد صحت عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في ذلك أنها عبد مكان عبد أو عبدان مكان عبد ; فقد خالفوا هذا أيضا .
وخالفوا كل من ذكرنا ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
والشعبي ، وهم جمهور من روى عنه في هذه المسألة قول في
فداء ولد الغارة المستحقة بعبد .
وأما قولنا : إنه
يضمن كل ما مات من الولد والنتاج ، وما تلف من الغلة ويضمن الزيادة في الجسم والقيمة ، لأن كل ذلك مال المغصوب منه وكان فرضا عليه أن يرد كل ذلك فهو معتد بإمساكه مال غيره ، فعليه أن يعتدي عليه بمثل ما اعتدى .
فإن قالوا : ليس معتديا ، لأنه لم يباشر غصب الولد وإنما هو بمنزلة ريح ألقت ثوبا في منزل الإنسان ؟ قلنا : هذا باطل ، لأن الذي رمت الريح الثوب في منزله ليس متملكا له ولو تملكه للزمه ضمانه ، وهذا المشتري أو الغاصب متملك لكل ما تولد من غلة ، أو زيادة ، أو
[ ص: 436 ] نتاج ، أو ثمرة ، حائل بينه وبين صاحبه الذي افترض الله تعالى رده إليه ، وحرم عليه إمساكه عنه ، فهو معتد بذلك يقينا فعليه أن يعتدي عليه بمثل ما اعتدى .
وأما الزيادة في الثمن ، فإنه حين زاد ثمنه كان فرضا عليه رده إلى صاحبه بجميع صفاته ، فكان لازما له أن يرده إليه وهو يساوي تلك القيمة ، فإذا لزمه ذلك ثم نقصت قيمته فإنه لا يسقط رد ما لزمه رده .
وأما الكراء : فإنه إذ حال بين صاحبه وبين عين ماله حال بينه وبين منافعه فضمنها ، ولزمه أداء ما منعه من حقه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي كل ذي حق حقه ، وكراء متاعه من حقه بلا شك ، ففرض على مانعه إعطاؤه حقه .
ومن عجائب الدنيا - : قول الحنفيين إن الكراء للغاصب والغلة ، ولا يضمن ولدها الموتى ، ثم يقولون فيمن صاد ظبية في
الحرم فأمسكها ولم يقتلها ، حتى إذا ولدت عنده أولادا فماتوا ولم يذبحهم : أنه يجزيها ويجزي أولادها - فلو عكسوا لأصابوا وما ألزم الله تعالى صائد الظبية ضمانها - عاشت أو ماتت - إلا أن يقتلها عامدا ، وإلا فلا ، فهم أبدا يحرفون كلام الله تعالى عن مواضعه .
وأعجب شيء احتجاج بعض متصدريهم بالجهل بأن قال : وأي ذنب للولد حتى يسترق ؟ فقلنا : ما علمنا ذنبا يوجب الاسترقاق ، والردة ، وقتل المؤمن عمدا ، وترك الصلاة ، وزنى المحصن أعظم الذنوب ، وليس شيء من ذلك يوجب استرقاق فاعله وأولاد الكفار يسترقون ولا ذنب لهم فليس يعترض بمثل هذا الهوس إلا من لا عقل له ولا دين .
وأما إسقاطنا المهر في وطء الغاصب ، والمستحق ، فلأنه لم يوجبه قرآن ولا سنة ، ومال الغاصب والمستحق عليه : حرام ، إلا ما أوجبه النص ولا مهر إلا في نكاح صحيح ، أو للتي نكحت بغير إذن وليها فقط - على ما جاء به النص - وإنما عليه ضمان ما نقصه وطؤه إياها بزنى الغاصب أو بجهل المستحق عليه فقط ، لأنه استهلك بذلك بعض قيمة أمة غيره فقط .
وأما
القضاء بالمثل : فإن المتأخرين اختلفوا ، فقال بعضهم : لا يعطى إلا القيمة في كل شيء - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبي إسحاق الشيباني [ ص: 437 ] فيمن استهلك حنطة أن له طعاما مثل طعامه ، قال
سفيان ، وقال غيره من فقهائنا : له القيمة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : أما ما يكال أو يوزن فعليه مثله من نوعه ، وأما ما عدا ذلك من العروض ، والحيوان فالقيمة .
وقال أصحابنا : المثل في كل ذلك ولا بد ، فإن عدم المثل فالمضمون له مخير بين أن يمهله حتى يوجد المثل ، وبين أن يأخذ القيمة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه ، وما نعلم لمن قضى بالقيمة حجة أصلا إلا أن بعضهم أتى بطامة ، فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50344إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على من أعتق شركا له في عبد بأن يقوم عليه باقيه لشريكه ، قالوا : فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من استهلك حصة غيره من العبد بالقيمة } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : وهذا من عجائبهم فإنهم أفحشوا الخطأ في هذا الاحتجاج من وجهين - : أحدهما - احتجاجهم به فيمن استهلك ، والمعتق نصيبه من عبد بينه وبين آخر لم يستهلك شيئا ، ولا غصب شيئا ، ولا تعدى أصلا ، بل أعتق حصته التي أباح الله تعالى له عتقها ، وإنما هو حكم من الله تعالى أنفذه لا لتعد من المعتق أصلا .
والثاني - عظيم تناقضهم ، لأنه يلزمهم إن كان المعتق المذكور مستهلكا حصة شريكه ، ولذلك يضمن القيمة بأن يوجبوا ذلك عليه معسرا كان أو موسرا كما يفعلون في كل مستهلك وهم لا يفعلون هذا فكيف يستحل من يدري أن الله تعالى سائله عن كلامه في الدين ، وأن عباد الله تعالى يتعقبون كلامه على هذه المجاهرة القبيحة الفاسدة من إحالة السنن عن مواضعها وسعيهم في إدحاض الحق بذلك ؟ وليس لهم أن يدعوا هاهنا إجماعا ، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر بن الهذيل يضمنونه معسرا أو موسرا ، وما نبالي بطرد هذين أصلهما في الخطأ ، لأنهما في ذلك مخالفان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه عليه السلام لم يضمن المعسر شيئا ، وإنما أمر في ذلك بالاستسعاء للمعتق فقط - :
[ ص: 438 ] روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم عن
حميد الطويل قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يحدث {
أن nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ويومها : جفنة من حيس ، فقامت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فأخذت القصعة فضربت بها الأرض فكسرتها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قصعة لها فدفعها إلى رسول زينب ، فقال : هذه مكان صحفتها - وقال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : لك التي كسرت } فهذا قضاء بالمثل لا بالدراهم بالقيمة .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود : أنهما قضيا على من استهلك فصلانا بفصلان مثلها .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي : أنهما قضيا بالمثل فيمن باع بعيرا واستثنى جلده ، ورأسه ، وسواقطه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ،
والحسن ،
والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، في فداء ولد الغارة بعبيد لا بالقيمة .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : أنه قضى في قصار شق ثوبا أن الثوب له ، وعليه مثله ؟ فقال رجل : أو ثمنه ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : إنه كان أحب إليه من ثمنه ، قال : إنه لا يجد ، قال : لا وجد .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : أنه قضى في ثوب استهلك بالمثل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : لم نورد قول أحد ممن أوردنا احتجاجا به ، وإنما أوردناه لئلا يهجموا بدعوى الإجماع جرأة على الباطل ، فإن قالوا : فإنكم لا تقضون بالمكسور للكاسر ، فقد خالفتم الحديث ؟ قلنا : حاشا لله من ذلك لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47739إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .
فعلمنا أنه عليه السلام لا يعطي أحدا غير حقه ، ولا أكثر من حقه ، ولم يقل عليه السلام : إنها لك من أجل كسرك إياها فقد كذب عليه من نسب إليه هذا الحكم من غير أن يقوله عليه السلام .
فصح بذلك يقينا أن تلك الكسارة التي أعطى
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أنها لم تصلح لشيء فأبقاها كما يحل لكل إنسان منا ما فسد جملة من متاع غيره ولم ينتفع منه شيء .
[ ص: 439 ] وإما أن قصعة
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة التي أعطى كانت خيرا من التي كانت
لزينب رضي الله عنها فجبر عليه السلام تلك الزيادة بتلك الكسارة ، وإلا فنحن على يقين من أنه عليه السلام لا يعطي أحدا مال غيره بغير حق ، وإنما حق المجني عليه في عين ماله لا في غيره ، فما دامت العين أو شيء منها موجودين فلا حق له في غير ذلك ، فإن عدم جملة فحينئذ يقضي له بالمثل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فإذا عدم المثل من نوعه فكل ما قاومه وساواه فهو أيضا مثل له من هذا الباب ، إلا أنه أقل مثليه مما هو عليه من نوعه ، فلذلك قضينا به عند عدم المثل المطلق - وبالله تعالى التوفيق .