صفحة جزء
1539 - مسألة : ولا يحل البيع مذ تزول الشمس من يوم الجمعة إلى مقدار تمام الخطبتين والصلاة ، لا لمؤمن ، ولا لكافر ، ولا لامرأة ، ولا لمريض ، وأما من شهد الجمعة فإلى أن تتم صلاتهم للجمعة ، وكل بيع وقع في الوقت المذكور فهو مفسوخ - وهذا قول مالك - وأجاز البيع في الوقت المذكور : الشافعي ، وأبو حنيفة .

وأما النكاح ، والسلم والإجارة ، وسائر العقود - فجائزة كلها في ذلك الوقت لكل أحد - وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة - ولم يجزها مالك .

برهان صحة قولنا : قول الله - تعالى - : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } فهما أمران مفترضان : السعي إلى ذكر الله - تعالى - ، وترك البيع ، فإذا سقط أحدهما بنص ورد فيه كالمريض ، والخائف والمرأة ، والمعذور ، لم يسقط الآخر ، إذ لم يوجب سقوطه قرآن ، ولا سنة - وجب إلزام الكفار كذلك ; لقول الله - تعالى - : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } .

ولقوله - تعالى - : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وأما إدخال مالك النكاح ، والإجارة في ذلك ، فخطأ ظاهر ; لأن الله - تعالى - إنما نهى عن البيع ، ولو أراد النهي عن النكاح ، والإجارة لما عجز عن ذلك ، ولا كتمنا ما ألزمنا { وما كان ربك نسيا } وتعدي حدود الله - تعالى - لا يحل .

ولو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا ; لأن القياس عند القائلين به إنما هو أن يقاس الشيء على نظيره ، وليس البيع نظير النكاح ; لأنه يجوز بلا ذكر مهر .

ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن ، والمتناكحان لا يملك أحدهما الآخر ، ولا في النكاح نقل ملك ، والبيع نقل ملك .

[ ص: 518 ] وأما الإجارة فإنما هي معاوضة في منافع لم يخلقها الله - تعالى - بعد ، ولا يجوز بيع ما لم يخلق بعد ، ويجوز أن يؤاجر الحر نفسه ، ولا يحل له أن يبيع نفسه ، فلا شبه بين الإجارة والنكاح وبين البيع .

فإن علل النهي عن البيع بما يشاغل عن السعي : صار إلى قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ولزمه أن يجيز من البيع ما لا تشاغل منه عن السعي ، ولا قياس عند القائلين به إلا على علة ، فإن لم يعلل بطل القياس - وما نعلم له سلفا في هذا القول .

وأما إجازة أبي حنيفة ، والشافعي : البيع في الوقت المذكور فخلاف لأمر الله - تعالى - ، ولا نعلم لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا : إنما نهى عن التشاغل عن السعي إلى الصلاة فقط ، ولو أن امرأ باع في الصلاة لصح البيع .

قال أبو محمد : وهذان فاسدان من القول جدا - : أما قولهم : إنما أراد الله بذلك التشاغل عن السعي فقط ، فعظيم من القول جدا ، ليت شعري من أخبرهم بذلك وهم يسمعون الله - تعالى - يقول : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .

ولو أن الله - تعالى - أراد ما قالوا لما نهانا عن البيع مطلقا ، ولا عجز عن بيان مراده من ذلك ، وما ههنا ضرورة توجب فهم هذا ولا نص ، فهو باطل محض ، ودعوى كاذبة بلا برهان .

وأما قولهم : لو باع في الصلاة لجاز البيع : فتمويه بارد ; لأن المصلي بأول أخذه في الكلام في المساومة بطلت صلاته فصار غير مصل - فظهر فساد احتجاجهم جملة .

فإن قالوا : هذا ندب ؟ قلنا : ما دليلكم على ذلك ، وكيف يقول الله - تعالى - : افعل ، فيقولون : معناه - لا تفعل إن شئت ؟ أم كيف يقول الله - تعالى - : لا تفعل ، فيقولون : معناه : افعل إن شئت ؟ وهذا إبطال الحقائق ، ونفس المعصية ، وتحريف للكلم عن مواضعه .

فإن قالوا : قد وجدنا أوامر ونواهي معناها : الندب ؟ قلنا : نعم بنص آخر بين ذلك وكذلك وجدنا آيات منسوخات بنص آخر ولم يجب [ ص: 519 ] بذلك حمل آية على أنها منسوخة ، ولا على أنها ندب ، ومن فعل ذلك فقد أبطل ما شاء بلا دليل - : روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي - نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا سليمان بن داود نا سليمان بن معاذ نا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة ، فإذا قضيت فاشتر وبع ولا نعلم له مخالفا من الصحابة .

وعن حماد بن زيد عن الوليد بن أبي هشام عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه أنه فسخ بيعا وقع بين نساء وبين عطار بعد النداء للجمعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية