762 - مسألة : ومن
سافر في رمضان - سفر طاعة أو [ سفر ] معصية ، أو لا طاعة ولا معصية - ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا ، أو بلغه ، أو إزاءه ، وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك ، ويقضي بعد ذلك في أيام أخر ، وله أن يصومه تطوعا ، أو عن واجب لزمه ، أو قضاء عن رمضان خال لزمه ، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره . وقد فرق قوم بين سفر الطاعة ، وسفر المعصية فلم يروا له الفطر في سفر المعصية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : والتسوية بين كل ذلك [ هو ] قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان . وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : {
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فعم تعالى الأسفار كلها ولم يخص سفرا من سفر {
وما كان ربك نسيا } .
[ ص: 385 ] وأيضا فقد أتينا بالبراهين على بطلان الصوم بالمعصية بتعمد ، والسفر في المعصية معصية وفسوق ، فقد بطل صومه بهما .
والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، ولا يختلفون : أن من قطع الطريق ، أو ضارب قوما ظالما لهم مريدا قتلهم ، وأخذ أموالهم فدفعوه عن أنفسهم وأثخنوه ضربا في تلك المدافعة حتى أوهنوه ; فمرض من ذلك مرضا لا يقدر معه على الصوم ، ولا على الصلاة قائما ; فإنه يفطر ويصلي قاعدا ويقصر فأي فرق بين مرض المعصية وسفر المعصية .
وأما
المقدار الذي يفطر فيه فقد ذكرناه في كتاب الصلاة متقصى - والحمد لله رب العالمين ونذكر هاهنا إن شاء الله تعالى منه طرفا - : وهو أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة حد السفر [ الذي يفطر فيه ] من الزمان بمسير ثلاثة أيام ، ومن المسافات بمقدار ما بين
الكوفة والمدائن ; ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن في الجامع الصغير ؟ وحد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ذلك بستة وأربعين ميلا .
وحد
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك ، مرة يوما وليلة ، ومرة ثمانية وأربعين ميلا ، ومرة خمسة وأربعين ميلا ، ومرة اثنين وأربعين ميلا ، ومرة أربعين ميلا ، ومرة ستة وثلاثين ميلا ; ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق في كتابه المعروف بالمبسوط . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وكل هذه حدود فاسدة لا دليل على صحة شيء منها لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة .
ولا من رواية فاسدة ، ولا إجماع [ قد ] جاءت في ذلك روايات مختلفة عن الصحابة رضي الله عنهم ليس بعضها أولى من بعض - : فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان لا يقصر في أقل مما بين
خيبر والمدينة وهو ستة وتسعون ميلا ; وروي عنه أن لا يقصر في أقل مما بين
المدينة إلى
السويداء وهو اثنان وسبعون ميلا ، وروي عنه لا يكون الفطر إلا في ثلاثة أيام ; وروي عنه لا يكون القصر
[ ص: 386 ] إلا في اليوم التام وروي عنه القصر في ثلاثين ميلا ; وروي عنه القصر في ثمانية عشر ميلا ; وكل ذلك صحيح عنه . وروي عنه القصر في سفر ساعة ، وفي ميل وفي سفر ثلاثة أميال بإسناد في غاية الصحة ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15621جبلة بن سحيم عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16883ومحارب بن دثار ،
ومحمد بن زيد بن خلدة عنه .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أربعة برد . وروي عنه يوم تام ، وروي عنه لا قصر في يوم إلى العتمة فإن زدت فأقصر ،
ولا متعلق لهم بأحد من الصحابة رضي الله عنهم غير من ذكرنا ، وقد اختلف عنهم ، وعن
الزهري ،
والحسن : أنهما حدا ذلك بيومين . وروينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع نا
nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر وهو ابن كدام - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16883محارب بن دثار قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول : إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة نا
nindex.php?page=showalam&ids=16637علي بن مسهر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبي إسحاق الشيباني عن
محمد بن زيد بن خلدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى نا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي نا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15621جبلة بن سحيم يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول : لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة . وعن
شرحبيل بن السمط عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه قصر في أربعة أميال . وعن
حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه خرج معه إلى مكان على ثمانية عشر ميلا فقصر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الصلاة - وهذه أسانيد عنه كالشمس . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب القصر في ثلاثة أميال . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في خمسة عشر ميلا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في اثني عشر ميلا . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15667حاتم بن إسماعيل عن
عبد الرحمن بن حرملة [ ص: 387 ] قال سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أأقصر وأفطر في
بريدين من
المدينة ؟ قال : نعم .
حدثنا
عبد الله بن ربيع نا
عمر بن عبد الملك نا
محمد بن بكر نا
أبو داود نا
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر نا
عبد الله بن يزيد هو المقري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب نا
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب : أن
كليب بن ذهل الحضرمي أخبره أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49412عبيد بن جبر قال : كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداءه قال : اقترب فقلت : ألست ترى البيوت ؟ فقال : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكل . } والروايات في هذا كثيرة جدا . فأما تحديد
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فلا معنى له أصلا وإنما هي دعاوى بلا برهان ، وموه بعضهم في ذلك بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما منع من أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : وذلك خبر صحيح لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه من حكم القصر والفطر أثر ولا دليل . وأيضا : فإنه جاء بألفاظ مختلفة في بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49413لا تسافر أكثر من ثلاث } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49414لا تسافر ثلاثا } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49415لا تسافر ليلتين } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49416لا تسافر يوما وليلة } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49416لا تسافر يوما } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49417لا تسافر بريدا } .
وهذه ألفاظ اختلف فيها عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر . وصح من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذا الخبر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30259لا تسافر المرأة } دون تحديد أصلا ولم يختلف [ عنه ] في ذلك أصلا
; فإن عزموا على ترك من اختلف عنه والأخذ برواية من لم يختلف عنه
nindex.php?page=showalam&ids=11فابن عباس لم يختلف عنه ; فهو أولى على هذا الأصل ، وإن أخذوا بالزيادة ، فرواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هي الزائدة على سائر الروايات ، لأنها تعم كل سفر ; وإن
[ ص: 388 ] أخذوا بالمتفق عليه فأكثر من ثلاث هو المتفق عليه لا الثلاث ، كما رواه
عبد الله بن نمير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=48918لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم } . وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي ،
وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
قزعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12156أبو معاوية nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبطل أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي متعلق بهذا الخبر أصلا إلا كتعلق
الزهري ،
والحسن بذكر الليلتين فيه ولا فرق . وما لهم بعد هذا حيلة ، على أنهم قد كفونا المؤنة ، فذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة : أن
من تأول من الرعاة وغيرهم فأفطر في مخرج ثلاثة أميال فليس عليه إلا القضاء ، ورأى القصر في
منى من
مكة ، وهذا قولنا ، وكذلك رأى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في المتأول ولا فرق .
وأيضا : فإنهم كلهم رأوا لمن سافر ثلاثة أيام أن يفطر إذا فارق بيوت القرية ; فإن رجع لشيء أوجب عليه ترك السفر ; فلا شيء عليه إلا القضاء ، فقد أوجبوا الفطر في أقل من ميل ، ويغني من هذا كله قول الله تعالى : {
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فلم يخص تعالى سفرا من سفر .
ووجدنا ما دون الميل ليس له حكم السفر ; لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعد للغائط والبول فلا يقصر ولا يفطر ، ولم نجد في أقل من الميل قولا عن أحد من أهل العلم بالدين واللغة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : ويلزم من تعلق من الحنفيين بحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30259لا تسافر المرأة } أن لا يرى القصر والفطر في سفر معصية ; لأنه عليه السلام لم يبح لها بلا خلاف سفر المعصية
[ ص: 389 ] أصلا ; وإنما أباح لها بلا شك أسفار الطاعات ; وهذا مما أوهموا فيه من الأخبار أنهم أخذوا به وهم مخالفون له . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فأما ما دون الميل فقد قال قوم : ليس له حكم السفر ; فلا يجوز الفطر ولا القصر فيه أصلا ، وإن أراد ميلا فصاعدا ; لأن نية السفر هي غير السفر ; وقد ينوي السفر من لا يسافر ، وقد يسافر من لا ينوي السفر . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس الفطر في رمضان في منزله إذا أراد السفر . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : إذ يفارق بيوت القرية . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : ترك القصر حتى يبلغ ما يقصر في مثله - وبالله تعالى التوفيق .
وكان هذا هو النظر لولا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=49418خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة فلم يزل يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة } فهذا على عمومه لا يجوز أن يخص منه شيء بغير نص . وأما قولنا : يقضي بعد ذلك في أيام أخر فهو نص القرآن ، وجائز أن يقضيه في سفر ، وفي حضر ، لأن الله تعالى لم يخص بأيام أخر حضرا من سفر .