صفحة جزء
[ ص: 60 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( وبه نستعين وعليه نتوكل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .

كتاب العتاق .

( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة ، وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى : اعلم بأن الإعتاق لغة هو إحداث القوة يقال : عتق الفرخ إذا قوي فطار عن ، وكره . وفي الشريعة عبارة عن إحداث المالكية والاستبداد للآدمي ، ومن ضرورته ، انتفاء صفة المملوكية ، والرق

ولهذا يتعقبه الولاء الذي هو كالنسب ; لأن الأب سبب لإيجاد ، ولده فيكون الولد منسوبا إليه . والعتق مسبب لإحداث صفة المالكية التي اختص الآدمي بها فصار المعتق منسوبا إليه بالولاء ، ولهذا ندب الشرع إليه بيانه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار } ، ولهذا استحبوا للرجل أن يعتق العبد ، وللمرأة أن تعتق الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء والتحرير لغة التخليص يقال : طين حر - أي خالص عما يشوبه - وأرض حرة - أي خالصة - لا خراج عليها ، ولا عشر ، وفي الشريعة عبارة عن جعل الرقبة خالصة لله تعالى قال الله تعالى : { إني نذرت لك ما في بطني محررا } ولهذا شرع التحرير في التكفير لأجل التطهير قال الله تعالى : { فتحرير رقبة } ، ولهذا ندب الشرع إلى فك الرقبة بقوله : { وما أدراك ما العقبة فك رقبة } ، وفي حديث البراء بن عازب { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل يدخلني الجنة فقال عليه السلام : لئن أوجزت الخطبة فقد أعرضت المسألة ، فك الرقبة وعتق النسمة . قال : أو ليسا واحدا يا رسول الله ، قال : لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها . }

{ وسأل أبو ذر رضي الله تعالى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ، } فهذه الآثار تبين أن الإعتاق من باب البر ، والإرفاق ، وأن أفضل الرقاب أعزها عند صاحبها ثم [ ص: 61 ] بدأ الكتاب بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لعب بطلاق أو عتاق فهو جائز عليه ، ونزلت هذه الآية في ذلك { ، ولا تتخذوا آيات الله هزوا } } ، وقال عمرو رضي الله عنه من تكلم بطلاق أو عتاق أو نكاح فهو جائز عليه أي نافذ لازم ، وفيه دليل على أن الهزل بهذه التصرفات جد كما قال : صلى الله عليه وسلم { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والعتاق } والهزل ، واللعب سواء ، فإنه اسم لكلام يكون على نهج كلام الصبيان لا يراد به ما وضع له ، ونفوذ هذه التصرفات بوجود التكلم بها ممن هو من أهلها ، ولا معتبر بقصده إلى حكمها ; لأن بانعدام القصد إلى الحكم ينعدم الرضا بالحكم ، وذلك لا يمنع لزوم هذه التصرفات لو قرن بها شرط الخيار .

والمراد بالآيات في قوله تعالى { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } الأحكام ، والهزء اللعب ففيه بيان أنه لا لعب في أحكام الشرع ،

التالي السابق


الخدمات العلمية