صفحة جزء
( قال ) وبلغنا عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ، ولا تقتلوا أسيرا ، ولا تدففوا على جريح ، ولا يكشف ستر ، ولا يؤخذ مال ، وبهذا كله نأخذ فنقول : إذا قاتل أهل العدل أهل البغي فهزموهم فلا ينبغي لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا ; لأنا قاتلناهم لقطع بغيهم ، وقد اندفع حين ولوا مدبرين ، ولكن هذا إذا لم يبق لهم فئة يرجعون إليها ، فإن بقي لهم فئة ، فإنه يتبع مدبرهم ; لأنهم ما تركوا قصدهم لهذا حين ولوا منهم منهزمين بل تحيزوا إلى فئتهم ليعودوا فيتبعون لذلك ، ولهذا يتبع المدبر من المشركين لبقاء الفئة لأهل الحرب ، وكذلك لا يقتلون الأسير إذا لم يبق لهم فئة ، وقد كان علي رضي الله عنه يحلف من يؤسر منهم أن لا يخرج عليه قط ثم يخلي سبيله ، وإن كانت له فئة فلا بأس بأن يقتل أسيرهم ; لأنه ما اندفع شره ، ولكنه مقهور ، ولو تخلص انحاز إلى فئته ، فإذا رأى الإمام المصلحة في قتله فلا بأس بأن يقتله ، وكذلك لا يجهزوا على جريحهم إذا لم يبق لهم فئة ، فإن كانت باقية فلا بأس بأن يجهز على جريحهم ; لأنه إذا برئ عاد إلى تلك الفتنة والشر بقوة تلك الفئة ، ولأن في قتل الأسير والتجهيز على الجريح كسر شوكة أصحابه ، فإذا بقيت لهم فئة فهذا المقصود يحصل بذلك بخلاف ما إذا لم يبق لهم فئة ، وقوله لا يكشف ستر قيل : معناه لا يسبى الذراري ، ولا يؤخذ مال على سبيل التملك بطريق الاغتنام ، وبه نقول لا تسبى نساؤهم وذراريهم ; لأنهم مسلمون ، ولا يتملك أموالهم لبقاء العصمة فيها بكونها محرزة بدار الإسلام ، فإن التملك بالقهر يخص بمحل ليس فيه عصمة الإحراز بدار الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية