قال ( وإن
جعل أرضا له مسجدا لعامة المسلمين وبناها وأذن للناس بالصلاة فيها وأبانها من ملكه فأذن فيه المؤذن وصلى الناس جماعة صلاة واحدة ، أو أكثر لم يكن له أن يرجع فيه ، وإن مات لم يكن ميراثا ) ; لأنه حرزها عن ملكه وجعلها خالصة لله تعالى قال الله تعالى {
وأن المساجد لله } . وقال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80958من بنى لله مسجدا ، ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة } ، ولا رجوع له فيما جعله لله تعالى خالصا كالصدقة التي أمضاها ، ثم عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يصير مسجدا إذا أبانه عن ملكه وأذن للناس بالصلاة فيه ، وإن لم يصل فيه أحد كما في الوقف على مذهبه أن الوقف يتم بفعل الواقف من غير تسليم إلى المتولي ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لا يصير مسجدا ما لم يصل الناس فيه بالجماعة ، بنى على مذهبه أن الوقف لا يتم إلا بالتسليم إلى المتولي وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فيه روايتان في رواية
الحسن عنه يشترط إقامة الصلاة فيه بالجماعة ، وفي رواية غيره عنه قال إذا صلى فيه واحد يصير مسجدا ، وإن لم يصل بالجماعة .
وجه رواية
الحسن أن تمام التبرع بحصول المقصود به بدليل الصدقة فالمقصود بها إغناء المحتاج ، ثم لا يتم ما لم يحصل هذا المقصود بالتسليم إليه فهنا المقصود من المساجد إقامة الصلاة فيها بالجماعة ; لأن جميع وجه الأرض موضع الصلاة ، وإنما تبنى المساجد لإقامة الصلاة فيها بالجماعة فلا تصير مسجدا قبل حصول هذا المقصود ، وجه الرواية الأخرى أن المقصود أن المسجد موضع السجود ، وقد حصل ذلك بالصلاة فيه منفردا كان أو بجماعة ، وقد بينا أن الواحد من المسلمين ينوب عن جماعتهم فيما هو حقهم فتجعل صلاة الواحد فيه كصلاة الجماعة .
وقد بينا نظيره في نزول الخان والدفن في المقبرة
[ ص: 35 ] وروي ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح والحسن والشعبي رضي الله عنهم قالوا لا تجوز الصدقة حتى يقبض ، وبه نأخذ فنقول إن الصدقة لا تتم إلا بالقبض بخلاف ما يقوله
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى ، وهذا ; لأن المتصدق يجعل ما يتصدق به خالصا لله تعالى بإخراجه عن ملكه وحقه ، ولا يتم ذلك إلا بالإخراج من يده ، ولا خلاف فيه بين العلماء رحمهم الله تعالى في الصدقة المنفذة .
وقال أهل
المدينة رحمهم الله مجرد الإعلام يكفي لذلك لما جاء في الأثر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه وغيره إذا أعلمت الصدقة جازت وجعلوا ذلك قياس العتق فإن العتق يزيل المعتق عن ملكه ويجعله لله تعالى ، ثم يتم ذلك بنفسه . فكذلك الصدقة ، ولأن الآخذ للصدقة هو الله تعالى قال الله تعالى {
ويأخذ الصدقات } .
وقال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80959إن الصدقة تقع في كف الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير مثل أحد } ، ولكنا نقول هذا في ضمن الاتصال إلى الفقير ليكون الفقير آخذا كفايته من الله تعالى فإنه عبد الله وكفاية العبد على مولاه ، وقد وعد له ذلك بقوله تعالى {
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } ; ولهذا لم يكن للمعطي منة على القابض ، وهذا المقصود لا يحصل قبل التسليم إلى الفقير فلا تتم الصدقة بخلاف العتق فالعبد في يد نفسه فيصير قابضا نفسه مع أن المعتق متلف للملك والرق فيه والإتلاف يتم بالتلف والمتصدق غير متلف للملك بل جاعل الملك لله تعالى خالصا ، وذلك في ضمن التمليك من الفقير فكما أن التمليك من الفقير لا يتم إلا بالتسليم إليه . فكذلك جعله لله تعالى .
. فأما الصدقة الموقوفة على قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله تلزم بالإعلام ، وإن لم يخرجها من يده إلى يد المتولي وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله لا يتم إلا بالإخراج من يده والتسليم إلى المتولي وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى وحجته في ذلك أن إزالة الملك بطريق التبرع فتمامه بالتسليم كما في الصدقة المنفذة ، وهذا ; لأنه لو لزمه قبل التسليم لصارت يده مستحقة عليه والتبرع لا يصلح سببا للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به فينبغي أن يكون متبرعا في إزالة يده كما في إزالة ملكه .
وذلك بأن لم تتم الصدقة قبل التسليم بل هذا أولى من الصدقة المنفذة فإن جواز ذلك متفق عليه بين العلماء رحمهم الله ، وفي
جواز الصدقة الموقوفة ولزومها خلاف ظاهر ، ثم تلك الصدقة مع قوتها لا تتم إلا بالتسليم فهذا أولى . وقال في الكتاب من جوز الصدقة غير مقبوضة لم يفصل بين الصدقة الموقوفة والمنفذة وهو قول أهل
المدينة رحمهم الله ، وكذلك من لم يجوزها إلا مقبوضة والفرق بينهما من نوع التحكم ، وقد بينا أن ذلك لا يجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف رحمه الله يقول هذه إزالة ملك لا تتضمن التمليك فتتم بدون القبض
[ ص: 36 ] كالعتق بخلاف الصدقة المنفذة فإنها تتضمن التمليك ، وهذا ; لأن القبض إنما يعتبر من المتملك ، أو من نائبه ليتأكد به ملكه ، ألا ترى أنه لا يعتبر قبض غيره له بغير إذنه والصدقة الموقوفة لا يتملكها أحد فلا معنى لاشتراط القبض فيها ، يوضحه أن المتولي مختار الواقف فيده تقوم مقام يد الواقف لا مقام يد الموقوف عليه فإنه ما اختاره وربما لم يعلم به أيضا .
فإذا كانت تتم بيد من اختاره الواقف فبيد الواقف أولى بخلاف العدل في الرهن فإن يده كيد المرتهن هناك ; لأنه لا يصير عدلا إلا برضا المرتهن واختياره ; ولهذا يصير المرتهن مستوفيا دينه بهلاكه في يد العدل ، ولأن حق المرتهن ثبت في العين فتمكن فيجعل العدل نائبا عنه وهنا الموقوف عليه في الغلة لا في العين فلا يمكن جعل المتولي نائبا عنه في قبض العين بل هو نائب عن الواقف فلا معنى لاشتراط قبضه ، واستدل
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله في الكتاب بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فإنه جعل وقفه في يد ابنته
حفصة رضي الله عنها ، وإنما فعل ذلك ليتم الوقف ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله يقول فعل ذلك لكثرة اشتغاله وخاف التقصير منه في أوانه ، أو ليكون في يدها بعد موته .
فأما أن يكون فعله لإتمام الوقف فلا وكان
القاضي أبو عاصم رحمه الله يقول قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف من حيث المعنى أقوى لمقاربته بين الوقف والعتق من حيث إنه ليس في كل واحد منهما معنى التمليك وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله أقرب إلى موافقة الآثار وعلى هذا الخان والرباط يتم عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله تعالى بالتخلية بينه وبين الناس ، وإن لم ينزل فيه أحد ، ولا يتم عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله إلا بالتسليم إلى المتولي ، أو بنزول الناس فيه ، وكذلك المقبرة والسقاية عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لا تتم إلا بالتسليم إلى قيم يقوم عليه ، أو بأن يدفنوا في المقبرة رجلا واحدا ، أو يسقى من السقاية رجل واحد .
وكذلك المسجد إلا أن في المسجد تمامه عند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله بأن يصلي الناس فيه بالجماعة ; لأن التسليم إلى المتولي في المسجد لا يتحقق إذ لا تدبير فيه للمتولي في اختيار من يصلي بالمسجد ، أو الاستغلال ; لأن المسجد قد تحرز عن ذلك ، وكذلك لا تدبير لأحد في سد باب المسجد ; لأنه إن كره لأهل المسجد أن يغلقوا باب المسجد فكيف بغيرهم ; فلهذا يوقف التمام على إقامة الصلاة فيه بالجماعة ، وفي سائر الوقف للمتولي تدبير في ذلك فجعل التسليم إلى المتولي متمما للصدقة ، ولأن المقصود في سائر الوقف منفعة العباد فيمكن جعل يد المتولي في ذلك بمنزلة يدهم ، والمقصود هنا إقامة العبادة لله تعالى في المسجد خالصا ، ولا يحصل ذلك إلا بإقامة الصلاة فيه .