قال : ( وإن
وهب عبدا لرجلين فعوضه أحدهما من حصته : كان له أن يرجع في حصة الآخر ) ; لأنه لم يصل إليه العوض عن حصة الآخر ، والجزء معتبر بالكل ، والرجوع في النصف شائعا صحيح بخلاف ابتداء الهبة ; لأن الراجع ليس يتملك بالرجوع بل يعيده إلى قديم ملكه ، والشيوع من ذلك لا يمنع ، وبالرجوع في النصف لا تبطل الهبة فيما بقي ; لأنه شيوع طرأ بعد تمام الهبة ، فلا يكون مؤثرا فيه ، فإن ما يتمم القبض معتبر بأصل العقد . وعود الموهوب إلى يد الواهب لا يمنع بقاء الهبة ، فالشيوع كذلك فإن عوضه أحدهما عن نفسه ، وعن صاحبه لم يكن للواهب أن يرجع في شيء من العبد ; لأنه في نصيب صاحبه أجنبي ، والتعويض من الأجنبي صحيح ، وإن كان بغير أمر الموهوب له ; لأنه تصرف في المعوض في ملكه ، وإنما يسقط به حق الواهب في الرجوع ، ومثل هذا التصرف يصح من الأجنبي كصلح الأجنبي مع صاحب الدين من دينه على مال
[ ص: 76 ] نفسه ، يجوز ، ويسقط به الدين عن المديون فهذا مثله ، ولا يكون
للمعوض أن يرجع في شيء من العوض ; لأن مقصوده قد حصل حتى سقط حق الواهب عن الرجوع في الكل ، ولا يرجع على صاحبه أيضا بشيء سواء عوضه بأمره ، أو بغير أمره وكذلك لو عوضه أجنبي عن الهبة شيئا أما إذا كان بغير أمره فلا يشكل ، وإن كان بأمره فالتعويض لم يكن مستحقا على الموهوب له ، فإنما أمره بأن يتبرع بمال نفسه على غيره ، وذلك لا يثبت له حق الرجوع عليه من غير ضمان ; ولأنه مالك للتعويض بدون أمره ، فلا معتبر بأمره فيه ، وهذا بخلاف الدين ، فإنه إذا كان أمر إنسانا بقضاء دينه يرجع عليه بما أدى ; لأن الدين كان معلوما في ذمته وهو كان مطالبا به فقد أمره أن يسقط عنه المطالبة بمال يستحق عليه ، وأمره أن يملكه ما في ذمته بعوض ، ولو أمره أن يملكه عينا بعوض رجع عليه بما أدى فيه من ملك نفسه فهذا مثله
وهنا لم يكن للواهب في ذمة الموهوب له ملك فالمعوض غير مملوك منه ، ولا هو مسقط عنه مطالبة مستحقة ; لأنه ما كان يستحق عليه العوض ، إنما كان للواهب حق الرجوع فقط ، والموهوب له كان متمكنا من إسقاط حقه بدون التعويض بأن يتصرف فيه ; فلهذا لا يرجع عليه المعوض بأمره إذا لم يضمن له ; ألا ترى أنه فيما هو فوق هذا لا يرجع بالأمر بدون الشرط نحو ما إذا قال : كفر يميني من طعامك ، أو أد زكاة مالي بمالك ، فهذا أولى
.