وإذا
اشترى دارا فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجري فيه الماء ، ولا يستطاع رد ذلك عنها فللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن إن شاء ; لأن حقه ثابت في الكل ، وقد تمكن من أخذ البعض فيأخذه بحصته من الثمن اعتبارا للبعض بالكل
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في كتابة يدعي المناقضة علينا في هذا الفصل ويقول : إنهم زعموا أنه إذا احترق البناء لم يسقط شيء من الثمن عن الشفيع وإذا غرق بعض الأرض سقط حصته من الثمن فكأنهم اعتبروا فعل الماء دون النار ، وإنما قال ذلك لقلة الفقه ، والتأمل ، فإن البناء وصف وتبع ، وليس بمقابلة الوصف شيء من الثمن إذا فات من غير صنع أحد ، فأما بعض الأرض ليس بتبع للأرض ، فلا بد من إسقاط حصة ما غرق من الثمن عن الشفيع ، أو تأخر ذلك إلى أن يتمكن من أخذه ، والانتفاع به ، فإن
قال المشتري ذهب منها الثلث وقال الشفيع ذهب النصف ، فالقول قول المشتري ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن إن شاء ، فإن أقاما البينة فهذا ومسألة قيمة البناء سواء في التخريج على ما بينا
وكذلك لو
استحق رجل بعضها وسلم الشفعة وطلبها الجار بالشفعة أخذ ما بقي بحصته من الثمن ، والقول قول المشتري في مقدار المستحق من الباقي ; لأن الشفيع يدعي حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشتري ، ولا شفعة في الشراء الفاسد ; لأن وجوب الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع وعند فساد البيع حق البائع لم ينقطع ; ولأن في إثبات حق الأخذ للشفيع تقرير للبيع الفاسد ، وهو معصية ، والتقرير على المعصية معصية ، فإن سلمها المشتري للشفيع بالثمن الذي أخذها به وسماه له جاز ذلك ; لأن التسليم بالشفعة سمي بغير قضاء في حكم البيع المبتدأ ولو باعه المشتري ابتداء جاز بيعه وكان عليه قيمة الدار فكذلك إذا سلمها للشفيع ، ألا ترى أنه لو ورث دارا فسلمها للشفيع بألف درهم كان ذلك بيعا منه
ولو اشترى بيعا منقولا [ ص: 116 ] فطلب الشفيع بالشفعة فسلم كان ذلك بيعا مبتدأ فهذا مثله وإذا مات الشفيع بعد البيع قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه حق الأخذ بالشفعة عندنا وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي له ذلك ، والكلام في هذه المسألة نظير الكلام في خيار الشرط ، وقد بيناه في البيوع ، فإن عنده كما تورث الأملاك فكذلك تورث الحقوق اللازمة ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض في ذلك سواء بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث ، وإن حاجة الوارث كحاجة المورث ونحن نقول مجرد الرأي ، والمشيئة لا يتصور فيه الإرث ; لأنه لا يبقى بعد موته ; ليخلفه الوارث فيه ، والثابت له بالشفعة مجرد المشيئة بين أن يأخذ ، أو يترك ، ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة تزول بموته ، وهو ملكه وقيام السبب إلى وقت الأخذ شرط لثبوت حق الأخذ له ، ألا ترى أنه لو أزاله باختياره بأن باع ملكه قبل أن يأخذ البعض المشفوع لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فكذلك إذا زال بموته ، والثابت للوارث جوازا ، أو شركة حادثة بعد البيع ، فلا يستحق به الشفعة وهذا ; لأن استحقاق الشفعة بسبب ينبني على صفة الملكية ; ولهذا لا يثبت حق الأخذ بالشفعة لجار السكنى وصفة الملكية تتجدد للوارث بانتقال ملك المورث إليه ، فلا يجوز أن يستحق الشفعة بهذا السبب ولو كان بيع الدار بعد موته كان له فيها الشفعة ; لأن الملك انتقل بالموت إلى الوارث بسبب الاستحقاق ، وهو الجوار عند بيع الدار كان للوارث
والمعتبر قيام السبب عند البيع لا قبله وإذا مات المشتري ، والشفيع حي فله الشفعة ; لأن المستحق باق وبموت المستحق عليه لم يتغير سبب الاستحقاق ولم يبع في دينه ووصيته ; لأن حق الشفيع مقدم على حقه ، فيكون مقدما على حق من ثبت حقه من جهته أيضا ، وهو الغريم ، والموصى له ، فإن باعها القاضي ، أو الوصي في دين الميت فللشفيع أن يبطل البيع ويأخذها بالشفعة كما لو باعها المشتري في حياته ، ولا يقال بيع القاضي حكم منه فكيف ينقضه الشفيع ; لأن القاضي إنما باعها إما لجهله بحق الشفيع ، أو بناء على أنه ربما لا يطلب الشفعة ، فإذا طلبها كان بيعه باطلا ; ولأن هذا منه قضاء بخلاف الإجماع ، فقد أجمعوا على أن
للشفيع حق نقض تصرف المشتري ، وإنما يبيعه القاضي في دين المشتري ووصيته بطريق النيابة عنه ، وكذلك لو أوصى فيه بوصية أخذها الشفيع وبطلت الوصية ; لأنه لو تبرع بها في حياته بالهبة كان للشفيع أن يبطل ذلك كله فكذلك إذا تبرع بها بعد موته بالوصية .