. [ قال رحمه الله ] : وإذا
دفع الرجل إلى رجل أرضا له يزرعها هذه السنة بالنصف وضمن [ ص: 127 ] له رجل الزراعة من الزارع فالضمان باطل ; لأن المزارع مستأجر للأرض عامل ، والمزارعة لنفسه إلا أن يكون العمل مستحقا لرب الأرض عليه ، وإنما يصح الضمان بما هو مستحق على الأصيل للمضمون له ، فإذا كان الضمان شرطا في المزارعة فالمزارعة فاسدة لأنها استئجار للأرض فتبطل بالشرط الفاسد ، وإن لم يجعلاه شرطا في المزارعة صحت المزارعة والضمان باطل ، وإن كان البذر من رب الأرض جاز الضمان والمزارعة في الوجهين جميعا ; لأن رب الأرض مستأجر للعامل ، وقد صارت إقامة العمل مستحقة عليه لرب الأرض وهو مما تجري فيه النيابة في تسليمه فيصح التزامه بالكفالة شرطا في العقد أو مقصودا بعد عقد المزارعة بمنزلة الكفالة بالأجرة ، والثمن في البيع ، وإن تعنت الزارع أخذ الكفيل بالعمل لأنه التزم المطالبة بإيفاء ما كان على الأصيل وهو عمل الزراعة ، فإذا عمل وبلغ الزرع ثم ظهر المزارع كان الخارج بينهما على ما اشترطا لأن الكفيل كان نائبا عنه في إقامة العمل ، وللكفيل أجر مثل عمله إن كان كفل بأمره لأنه التزم العمل بأمره وأوفاه فيرجع عليه بمثله ; ومثله أجر المثل ; كالكفيل بالدين إذا أدى ، وإن كان الشرط على الزارع أن يعمل بنفسه لم يجز الضمان ; لأن ما التزمه العامل هنا لا تجري النيابة في إيفائه وهو عمل المزارع بنفسه إذ ليس في وسع الكفيل إبقاء ذلك فيبطل الضمان ، وتبطل المزارعة أيضا إن كان الضمان شرطا فيها ، والمعاملة في جميع ذلك بمنزلة المزارعة
، ولو كان الكفيل كفل لرب الأرض بحصته مما تخرج الأرض - والبذر من صاحب الأرض أو من العامل - فالكفالة باطلة لأن نصيب رب الأرض من الزرع أمانة في يد المزارع ، سواء كان البذر من قبله أو من قبل رب الأرض حتى لا يضمن ما يهلك منه بغير صنعه ، والكفالة بالأمانة لا تصح بمنزلة الكفالة الوديعة ، إنما تصح الكفالة بما هو مضمون التسليم على الأصل ثم تبطل المزارعة إن كانت الكفالة شرطا فيها ، والمعاملة في هذا كالمزارعة .
ولو كفل رجل لأحدهما عن صاحبه بحصته مما تخرج الأرض إن استهلكها صاحبها - فإن كان ذلك شرطا في أصل المزارعة فالمزارعة فاسدة ، وإن لم يكن شرطا فيها فالمزارعة جائزة والكفالة جائزة لأنها أضيفت إلى سبب وجوب الضمان وهو الاستهلاك ، وإضافة الكفالة إلى سبب وجوب الضمان صحيحة إلا أن هذا دين يجب لأحدهما على صاحبه لا بسبب عقد المزارعة . وعقد المزارعة بين اثنين بشرط أن يعطي أحدهما صاحبه كفيلا بدين آخر وجب له عليه - يكون صحيحا كعقد البيع على هذا الشرط ، فإذا شرطا الكفالة في المزارعة
[ ص: 128 ] فسدت المزارعة لهذا ، وإن لم يكن شرطا فيها جازت المزارعة والكفالة ، فإن استهلك المضمون منه شيئا ضمنه الكفيل ويأخذ به الطالب أيهما شاء
، وإن كانت المزارعة فاسدة والبذر من قبل العامل وضمن رجل لصاحب الأرض حصته مما تخرج الأرض - فالضمان باطل ; لأنه مع فساد المزارعة لا يستحق صاحب الأرض شيئا من الخارج . والكفالة بما ليس بمضمون على الأصل باطل ، ولا يؤخذ الكفيل بأجر مثل الأرض لأنه لم يضمنه وإنما ضمن الطعام ، وأجر مثل الأرض دراهم فلا يجوز أن يجب عليه بالكفالة غير ما التزمه .
وإذا كان الأجر للعامل أو لرب الأرض كر حنطة بعينها لم يكن لصاحبه أن يبيعه قبل القبض ; لأن الأجرة في الإجارة بمنزلة العوض في البيع ، وما كان بعينه من العروض المستحق بالمبيع لا يجوز بيعه قبل القبض ، فإن هلك بعد العمل أو استهلكه الذي في يده كان عليه أجر المثل ; لأن بهلاكه قبل التسليم فات القبض المستحق بالعقد فيفسد العقد ، ولزمه رد ما استوفى في تحكمه من المنفعة وقد تعذر عليه رده فيلزمه أجر مثله ،
وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة فاستحصد الزرع أو لم يحصد أو بلغ التمر ولم يحرز ثم باع أحدهما حصته قبل أن يقبضها جاز بيعه ; لأن حصته أمانة في يد الآخر كالوديعة فينفذ تصرفه فيها قبل القبض ، وإن هلك فلا ضمان على واحد منهما لأن هلاك الأمانة في يد الأمين كهلاكها في يد صاحبها ، وإن استهلكها أحدهما ضمن نصيب صاحبه لأنه استهلك ملكا تاما مشتركا بينهما فيضمن نصيب صاحبه جبرانا لما أتلف من ملكه . والله أعلم .