وإذا
أقر الوارث بوصية لرجل تخرج من الثلث أو بعتق ، ثم أقر بدين بعد ذلك لم يصدق على إبطال الوصية والعتق وكان الدين عليه في نصيبه ; لأن محل الدين جميع التركة ، وقد بقي في يده جزء من التركة فيؤمر بقضاء الدين منه بإقراره ، وأصل هذا الفرق فيما إذا أقر أحد الابنين بدين على الميت ، فإنه يؤمر بقضاء جميع الدين من نصيبه بخلاف الوصية ، وقد أوضحنا هذا في كتاب الإقرار فإن أقر الوارث بدين ، ثم أقر بدين يبدأ بالأول ; لأن صحة إقراره على الميت بالدين باعتبار ما في يده من التركة ، وقد صار ذلك مستحقا للأول ، وهو فارغ حين الإقرار له ، إنما أقر للثاني والمحل مشغول بحق غيره فلا يصح إقراره ما لم يفرغ المحل من حق الأول كالراهن إذا أقر بالمرهون لإنسان فإن أقر لهما في كلام متصل استويا ; لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله ، وإذا قال الوارث : لفلان كذا من الدين ولفلان كذا من الوديعة ، الوديعة بعينها ، وهو ما ترك الميت فإنهما يتحاصان فيها ; لأنه حين أقر الوديعة فقد أقر هناك بدين شاغل لما في يده من التركة فيكون هذا بمعنى إقراره بوديعة مستهلكة فكأنه استهلكها بتقديم الإقرار بالدين عليها ، والإقرار بوديعة مستهلكة إقرار بالدين ، وكأنه أقر بدينين في كلام موصول ، إن بدأ الوديعة ، ثم بالدين بدئ الوديعة ; لأنه أقر بها ، ولا دين هناك فصارت عينها مستحقة للمقر له ، ثم الإقرار بالدين إنما يصح في تركة الميت لا فيما تبين أنه ليس من تركته .
وإذا أقر بوديعة بعينها ، ثم بوديعة أخرى بكلام متصل بدئ بالأول ; لأن الأول استحق ذلك العين بنفسه بنفس الإقرار ، والإقرار الثاني لا يصح في المحل الذي استحقه الأول ، وهذا بخلاف الدينين ; لأن موجب ثبوت الدينين الشركة بينهما في التركة فكان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله ، وههنا ليس موجب ثبوت الوديعة بأعيانهما الشركة بين المقر لهما في شيء بل كل واحد منهما يستحق ما أقر له به بعينه فليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله
[ ص: 40 ] فلهذا كان المتصل والمنقطع في هذا سواء حتى إنه إذا أقر بوديعتين بغير أعيانهما فهو والإقرار بدينين سواء .