مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
( فصل آداب قضاء الحاجة ) هذا الفصل يذكر فيه آداب الاستنجاء والاستجمار وما يتعلق بذلك وقسمه إلى ثلاثة أقسام : قسم عام في الفضاء والكنيف ، وقسم خاص بالكنيف ، وقسم خاص بالفضاء انتهى من البساطي .

ص ( ندب لقاضي الحاجة جلوس ومنه برخو نجس )

ش الرخو مثلث الهش من كل شيء قاله في القاموس قال ابن بشير قال الأشياخ : لا يخلو الموضع المقصود للبول من أربعة أقسام إن كان طاهرا رخوا فالأولى الجلوس ; ; لأنه أقرب للستر ولا يحرم القيام وإن كان صلبا نجسا فينبغي أن يتركه ويقصد غيره ; لأنه إن قام خاف أن يتطاير عليه وإن جلس خاف أن يتلطخ بنجاسة الموضع وإن كان الموضع صلبا طاهرا فليس إلا الجلوس ; لأنه يأمن التلطخ بالنجاسة إن جلس ولا يأمنها إن قام ، وإن كان رخوا نجسا فليس هناك إلا القيام ; لأنه يأمن التطاير وإن جلس خاف التلطخ ومحصول هذا أنه يجتنب النجاسة ويفعل ما هو أقرب للستر ، واجتناب النجاسة آكد من الستر إذا كان بموضع لا يرى فيه . انتهى ، وأصله للباجي في كتاب الطهارة من المنتقى والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى تكلم هنا على الموضع الرخو فقط فأشار إلى الرخو الطاهر بقوله : ندب لقاضي الحاجة جلوس ، وإلى الرخو النجس بقوله : ومنع برخو نجس ، فأما ما ذكره في القسم الأول فهو معنى قول ابن بشير فالأولى الجلوس وقال الباجي هو أولى وأفضل وليس هذا معارضا لقوله في المدونة ولا بأس بالبول قائما في موضع لا يتطاير فيه ; لأن لا بأس ترد لما غيره خير منه ، وقال في المدخل : اختلف في البول قائما فأجيز وكره والمشهور الجواز إذا كان في موضع لا يمكن الاطلاع عليه وكان الموضع رخوا فإنه يستشفى به من وجع الصلب وعلى ذلك حملوا ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه بال قائما . انتهى ، وليس مراده بالجواز استواء الطرفين وإنما مراده نفي الكراهة الشديدة وإن كان تركه أولى .

وقال في الطراز والقياس [ ص: 268 ] أن ذلك لا يكره إذا سلم من إصابة البول والهتكة إذ ليس فيه ما يؤدي إلى تضييع واجب ولا ارتكاب محظور وأما ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في القسم الثاني من منع الجلوس فينبغي أن يحمل على الكراهة ولا يحمل على ظاهره وليس في كلامهم ما هو صريح في المنع وقد تقدم لفظ ابن بشير ولفظ الباجي قريب منه ، ونصه ، وإن كان الموضع دمثا وهو مع ذلك قذر بال البائل فيه قائما ولم يبل جالسا ; لأن جلوسه يفسد ثوبه وهذا يأمن من تطاير البول إذا وقف وقال في التوضيح : وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة أن تتنجس ثيابه وأقوى ما رأيت في ذلك عبارة ابن عرفة فإنه لما حكى كلام الباجي وابن بشير قال الباجي وابن بشير عن الأشياخ : قيامه برخو طاهر جائز ومقابله بدعة أي يتركه وجلوسه بصلب طاهر لازم ومقابله مقابله ، فيفهم من قوله ومقابله مقابله أن القيام لازم وليس في الكلام المتقدم ما يقتضي أن الجلوس حرام والقيام واجب إذا تحفظ الشخص على ثيابه بل عبارة الجواهر صريحة في الجواز فإنه قال لما عد الآداب : وأن يبول جالسا إن كان المكان طاهرا فإن كان نجسا رخوا فله أن يبول قائما وذكره في الذخيرة وقبله فتأمله .

ولم يتابع صاحب الشامل المصنف على التصريح بالمنع بل قال : وجلوسه بمكان رخو إن كان طاهرا وإلا بال قائما والله تعالى أعلم .

وأما الموضع الصلب فأطلق رحمه الله تعالى فيما يأتي أنه يستحب اجتنابه قال ابن غازي : ولا أعرفه إلا لأبي حامد الغزالي قلت ذكر في الذخيرة عن الجواهر أن من الآداب أن يجتنب الموضع الصلب احترازا من الرشاش وأطلق في ذلك ولا شك أنه يخشى من تطاير البول فيه مطلقا سواء كان طاهرا أو نجسا فينبغي تجنبه ولكني لم أقف على ما ذكره عن الجواهر فيها إثر كلامه المتقدم وإن كان نجسا صلبا تجنبه وعدل إلى غيره .

وفي العمدة والإرشاد لأبي عسكر أن من الآداب أن يطلب موضعا رخوا قال شراحه : لا صلبا ، وصرح بذلك ابن معلى في منسكه فقال : واتقاء الأرض الصلبة .

( تنبيهان الأول ) قد تقدم في كلام ابن بشير أنه إذا كان الموضع صلبا طاهرا فليس إلا الجلوس وقال الباجي إن كان موضعا طاهرا صلبا يخاف أن يتطاير منه البول إذا بال قائما فحكم ذلك الموضع أن يبول البائل فيه جالسا ; لأن طهارته تبيح الجلوس وصلابة الأرض تمنع الوقوف لئلا يتطاير عليه من البول ما ينجس ثيابه قال في التوضيح وإن كان صلبا طاهرا تعين الجلوس ونحوه في الشامل وتقدم في كلام ابن عرفة أن جلوسه لازم ونقله عنه ابن ناجي وقبله ، وظاهر كلامهم أن الجلوس واجب وظاهر كلام المدونة أن القيام مكروه ; لأنه قال إثر كلامه : وأكرهه بموضع يتطاير فيه .

قال أبو الحسن في الأمهات في موضع صلب يتطاير فيه ثم قال بعد أن ذكر التقسيم المتقدم وقد ذكر الباجي هذا التقسيم بعينه وانظر الكراهة هل هي على المنع أو على بابها تجري على التفصيل المتقدم . انتهى ، وحملها على المنع ظاهر إلا أن يأمن تطاير البول بأن يكون مرتفعا عن محله أو لا يكون عليه ثياب ويريد أن يغتسل فتأمله والله أعلم .

وهذه مسألة لا يفهم من كلام المصنف حكمها إلا ما تقدم من استحباب تجنبه وأما إذا لم يتجنبه وأراد قضاء الحاجة فيه هل يقوم أو يجلس ؟ لا يفهم من كلامه شيء على ما حملنا عليه كلامه من أنه خاص بالرخو وأما إذا بقي كلامه على عمومه فيفهم منه عكس المراد ، وأن الجلوس حينئذ مستحب أيضا والقيام جائز وليس كذلك فتأمله والله تعالى أعلم .

( الثاني ) قول المصنف لقاضي الحاجة شامل للبول والغائط ; لكن قال في توضيحه في شرح قول ابن الحاجب : ولا بأس بالقيام إذا كان المكان رخوا أنه مقيد بالبول قال ; لأن الغائط لا يجوز إلا جالسا ، انتهى . وقال ابن ناجي في شرح المدونة وأما الغائط فلا يجوز إلا جالسا على كل حال صرح بعدم الجواز خليل [ ص: 269 ] والأقرب أنه مكروه فقط انتهى .

ص ( واعتماد على رجل واستنجاء بيد يسريين )

ش : عد في المدخل في الآداب أن يقيم عرقوب رجله اليمنى على صدرها وأن يستوطئ اليسرى وأن يتوكأ على ركبته اليسرى قال فإن هذه الصفات أسرع لخروج الحدث ، وقوله : واستنجاء بيد ، فإن لم تصل يد الرجل أو المرأة إلى موضع الاستنجاء ؟ فقال في المدخل في فصل الغسل : فإن كانت المرأة من السمن بحيث لا تصل يدها إلى موضع النجاسة منها فلا يجوز لها أن توكل غيرها يغسل لها ذلك من جارية أو غيرها ولا يجوز أن تكشف عليها غير زوجها ، فإن أمكن زوجها أن يغسل لها ذلك فبها ونعمت وله الأجر في ذلك والثواب الجزيل وإن أبى فليس عليه ذلك واجبا ، وتصلي هي بالنجاسة ولا تكشف عليها أحدا ; لأن ستر العورة واجب وكشفها محرم اتفاقا ، وإزالة النجاسة في الصلاة مختلف فيها على أربعة أقوال : أحدها أن إزالتها مستحبة وما اختلف فيه فارتكابه أيسر من الذي لم يختلف فيه ، وأما الرجل فإن كان لا يصل إلى ذلك بيده فإنه يتعين عليه إن قدر أن يشتري جارية على أن تتولى ذلك منه وإن تطوعت الزوجة بغسله لم يجب عليه شراء الجارية ولا يحل له أن يكشف على عورته غير من ذكر فإن لم يجد فصلاته بالنجاسة أخف من كشف عورته ، وهذا كله على مذهب مالك رحمه الله تعالى ، انتهى ، وقوله يسريين نعت لرجل ويد ويتعين قطعه بإضمار فعل لاختلاف العامل وحينئذ فلا اعتراض على المصنف ، وقول البساطي فيه شيء غير ظاهر ; لأنه حمله على الاتباع وليس ذلك لازما والله تعالى أعلم .

( فائدة ) يقال لليسرى : ( يسار ) قال في الصحاح : بالفتح ، ولا تقل : يسار بالكسر ، وفي المحكم اليسار واليسار نقيض اليمين . الفتح عن ابن السكيت أفصح وعن ابن دريد الكسر ، ولفظ الجمهرة ليس في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة عدا يسار شبهت بالشمال وقد تفتح . انتهى ، ويقال : جلس يسرته ويمنته بفتح أولهما وسكون ثانيهما أي جلس على يساره أو على يمينه

ص ( وبلها قبل لقي الأذى وغسلها بكتراب بعده )

ش : أي قبل ملاقاتها النجاسة فيبلها قبل أن يغسل قبله ودبره كما صرح به في الرسالة والجواهر وغيرهما قالوا : لئلا تعلق بها الرائحة .

ص ( وستر إلى محله )

ش : أي محل قضاء الحاجة يريد وإلى جلوسه ، ولا يحمل على ظاهره أنه إذا وصل إلى محل قضاء الحاجة لم يطلب بعد ذلك بالستر بل هو مطلوب بالستر إلى الجلوس قال ابن الحاجب في الآداب والجلوس وإدامة الستر إليه قال في التوضيح أي يستحب أن يديم الستر إلى الجلوس لكونه أبلغ في الستر وقال ابن عبد السلام أي إدامة ستر العورة إلى الجلوس إذا كان الموضع لا يخشى على الثياب فيه من النجاسة وإلا جاز كشف العورة قبل الجلوس ، انتهى . وقال ابن فرحون وقال في الجواهر وأن يديم الستر حتى يدنو من الأرض إن أمن من نجاسة ثوبه انتهى ، ونحوه في الزاهي وذكر صاحب الطراز والقرافي عن الترمذي { أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض } .

( تنبيه ) وهذا إنما يكون مستحبا إذا كان حيث لا يراه الناس وإلا فالستر واجب قاله البساطي .

( تنبيه ) قول المصنف وستر إلى محله فيه بيان حكم الستر عند الجلوس ولم يبين حكم الإسبال عند القيام ولم أقف فيه على نص للمالكية ورأيت في الإيضاح للناشري من الشافعية عن الماوردي أنه يستحب إسبال الثوب إذا فرغ قبل انتصابه ، قال : وهذا كله إذا لم يخف تنجس ثوبه فإن خافه رفع قدر حاجته .

ص ( وإعداد مزيله )

ش : في الحديث اتقوا الملاعن وأعدوا النبل قال في النهاية : جمع ( نبلة ) كغرفة وغرف والمحدثون يفتحون النون والباء ، انتهى . وقال في الصحاح النبل حجارة الاستنجاء يعني بضم النون وفتح الياء والمحدثون يقولون : النبل بالفتح سميت بذلك لصغرها ، انتهى . وقال الطبري في المقرب في [ ص: 270 ] حديث اتقوا الملاعن وأعدوا النبل بالضم والفتح حجارة الاستنجاء والضم اختيار الأصمعي انتهى . وأما النبل بفتح النون وسكون الموحدة فهو السهام وأما النبل بضم النون وسكون الموحدة فهو الفضل كما قال

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

.

ص ( ووتره )

ش : قال في التوضيح عن ابن هارون : الذي سمعت استحبابه إلى سبع ، وصرح به في المدخل .

ص ( وتقديم قبله )

ش : قال سند : هذا ما لم يكن ضرر يمنع ذلك كمن يحصل له قطار البول عند ملاقاة الماء لدبره فإنه يغسل الدبر أولا ثم القبل ، ونقله الشارح في الكبير .

ص ( وتفريج فخذيه )

ش : قال في المدخل عند البول والاستنجاء والإسهال : لئلا يتطاير عليه شيء من النجاسة لا يشعر به ، وظاهر كلام الشارح أنه يطلب أيضا عند الغائط وإن لم يكن فيه إسهال ; لأنه علله بأنه أبلغ في استفراغ ما في المحل .

ص ( واسترخاؤه )

ش : أي قليلا كما قال في الرسالة : ويسترخي قليلا ، قال ابن ناجي : ولم أزل أسمع عن غير واحد من الأشياخ أن الشيخ لم يسبقه أحد إلى التنبيه بالاسترخاء وإنما ذكر الشيخ ذلك ليكون أقرب لإزالة النجاسة التي في غضون المحل ، وذلك أن المحل ذو غضون ينقبض عند حس الماء على ما تعلق به من النجاسة فإذا استرخى تمكن من الإنقاء ، وقيل : يتمكن بذلك من تقطير البول وغيره والقولان حكاهما أبو عمران الجوزي انتهى .

( فرع ) قال في المدخل : ويسترخي قليلا عند الاستنجاء ; لأنه إذا لم يفعل يخاف أنه إذا خرج استرخى منه ذلك لعضو فيخرج شيء من الموضع الذي لم يغسله على ظاهر بدنه فيصلي بالنجاسة انتهى .

ص ( وتغطية رأسه )

ش : ذكره ابن العربي في العارضة ونقله عنه ابن عرفة وعده أيضا في المدخل من الخصال المطلوبة قال : وكذلك عند الجماع ونقله الأبي عن الغزالي ونصه وأن لا يدخل حاسر الرأس ، قيل : خوف أن تعلق الرائحة بشعره وقيل : لأن تغطية الرأس أجمع لمسام البدن وأسرع لخروج الحدث ، انتهى . وقال الدميري من الشافعية ويندب أن لا يدخل حاسر الرأس بل يستره ولو بكمه خوفا من الجن والله تعالى أعلم .

ص ( وعدم التفاته )

ش : عد في المدخل من الآداب أن لا يقعد حتى يلتفت يمينا وشمالا ثم قال : إذا قعد لا يلتفت يمينا ولا شمالا وبهذا يجمع بين ما ذكره المصنف وما ذكره ابن العربي في عارضته ونقله عنه ابن عرفة وقبله أن من الآداب أن يلتفت يمينا وشمالا فيحمل ما ذكره المصنف على ما إذا قعد .

وما ذكره ابن العربي على ما إذا أراد القعود وذلك والله أعلم لئلا يكون هناك شيء يؤذيه فإذا رآه بعد جلوسه قام وقطع عليه بوله وربما نجس عليه ثيابه ، وقال في الزاهي ولا تجلس حتى تلتفت يمينا وشمالا .

( فرع ) عد في المدخل من الآداب أن لا ينظر إلى السماء وأن لا يعبث بيده والله تعالى أعلم .

ص ( وذكر ورد بعده وقبله )

ش : أما ما ورد بعده فهو ما رواه الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول : غفرانك ، وروي أنه كان يقول : الحمد لله الذي سوغنيه طيبا وأخرجه عني خبيثا ، قاله في العارضة قال : وبذلك سمي نوحا عبدا شكورا وقال في الطراز : كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ، وربما قال : غفرانك رواه أبو داود وقال في الرسالة وعند الجلاء : الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته وقوله غفرانك بالنصب أي أسألك غفرانك أو اغفر غفرانك واستحب بعض الشافعية تكرار غفرانك مرتين .

ووجه سؤال المغفرة هنا قال ابن العربي هو العجز عن شكر النعمة في تيسير الغذاء وإيصال منفعته وإخراج فضلته وقال غيره : إنما ذلك لتركه الذكر حال [ ص: 271 ] الخلاء فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يترك الذكر إلا غلبة فرآه تقصيرا ، قال صاحب الطراز : وفيه نظر ; لأنه إذا كان منهيا عن الذكر في تلك الحال فإنه يثاب بتركه وهذا مما يجب الحمد عليه لا الاستغفار منه ونظر في الأول أيضا بأن نعم الله لا تحصى فكان يجب أن يستغفر متى أتته نعمة ، قال : وإنما الوجه أنه عليه الصلاة والسلام كان يكثر الاستغفار حتى أنه ليعد له في المجلس الواحد مائة مرة فجرى على عادته ; لأن من كان دأبه الاستغفار تجده عند حركاته وتقلباته يستغفر الله تعالى ، وأما ما ورد قبله فهو ما ورد في الصحيحين وغيرهما { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء يقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } ( والخلاء ) بفتح الخاء والمد المكان الذي ليس فيه أحد ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة كما سيأتي وبالقصر الرطب من الحشيش وخلا أيضا حرف استثناء وفعل استثناء والخلاء بكسر الخاء والمد في النوق كالحرن في الخيل ، وفي رواية إذا أراد أن يدخل الخلاء وفي أخرى إذا دخل الكنيف ( والخبث ) بضم الباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة ، يريد ذكران الشياطين وإناثهم ويروى بسكون الباء ، قال الطيبي في شرح المشكاة : ويراد به الكفر وبالخبائث الشياطين ، انتهى . وقال الخطابي عامة أهل الحديث يسكنون الباء وهو غلط والصواب ضمها نقله في الطراز وقال النووي ولا يصح قول من أنكر الإسكان وذكر عن ابن التين والطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من النجس والرجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم } وقال في المدخل في صفة الذكر هو أن يقول : أعوذ بالله من الخبث والخبائث النجس الرجس الشيطان الرجيم . زاد في الزاهي بعد قوله : الرجس النجس ، الضال المضل .

( تنبيه ) ويجمع مع هذا الذكر التسمية فقد تقدم أن من المواضع التي تشرع فيها التسمية الدخول للخلاء والخروج منه ويبدأ بالتسمية كما صرح به في الإرشاد وقال : إنه في حال تقدمة الرجل اليسرى .

قال الشيخ سليمان البحيري : وظاهر كلام ابن الحاجب أنه يقدم التعوذ قبل أن يدخل رجله ولفظ الإرشاد ويقدم رجله اليسرى قائلا : بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم . وقال في الذخيرة يقول ذلك قبل دخوله إلى موضع الحدث أو بعد وصوله إن كان الموضع غير معد للحدث وقيل بجوازه وإن كان معدا له وحكمه تقدمة هذا الذكر ما روى الترمذي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله } والستر هنا بكسر السين اسم قاله الدميري من الشافعية .

( فائدتان الأولى ) خص هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين : الأول أنه خلاء وللشياطين بعادة الله تعالى وقدرته تسلط بالخلاء ما ليس له في الملأ { قال صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب } الثاني أنه موضع قذر ينزه ذكر الله تعالى فيه عن جريانه على اللسان فيغتنم الشيطان عدم ذكره ; لأن ذكره يطرده فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج .

( الثانية ) كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من الشيطان حتى من الموكل به بشرط استعاذته كما أنه غفر له بشرط استغفاره ، انتهى . من أول العارضة لابن العربي .

ص ( فإن فات ففيه إن لم يعد )

ش : إنما قدم الشيخ قوله : بعده ، على قوله : قبله ليرتب عليه هذا الفرع وفهم من كلامه أنه يقول : الذكر المتقدم قبل وصوله إلى محل الحدث سواء كان الموضع معدا لقضاء الحاجة أم لا فإن فاته أن يقول ذلك قبل وصوله إلى المحل قاله بعد وصوله إلى المحل إن لم يكن معدا لقضاء الحاجة ، وهذا نحو ما تقدم عن الذخيرة وما سيأتي عن الجواهر .

( تنبيه ) قيد ابن هارون ذلك بما قبل جلوسه للحدث [ ص: 272 ] قال في شرح قول ابن الحاجب والذكر قبل موضعه وفيه إن كان غير معد قوله وفيه إن كان غير معد يعني قبل جلوسه للحدث وأما في حال الجلوس فلا ; لأن الصمت حينئذ مشروع في حقه ولذلك لا يرد على من سلم عليه ومفهوم الشرط في كلام المصنف أنه إذا كان الموضع معدا لقضاء الحاجة فلا يقول الذكر فيه ويفوت بالدخول وانظر هل ذلك مكروه أو ممنوع ، وكذا قوله فيما يأتي وبكنيف نحى ذكر الله هل هو على جهة الوجوب أو الكراهة ، فإن الكلام في ذلك واحد والنقول في ذلك مختلفة وظاهر كلام التوضيح المنع فإنه قال في قول ابن الحاجب وفي جوازه في المعد قولان كالاستنجاء بخاتم فيه ذكر شبه الخلاء بمسألة الخاتم والمعروف في الخاتم المنع والرواية بالجواز منكرة ، ثم المنع في الخاتم قوي من الذكر لمماسة النجاسة له ونحوه لابن عبد السلام فإنه قال : المنع المشبه به أقوى منه في المشبه لمماسة النجاسة في المشبه به وهي غير حاصلة في المشبه ، وأخذ من المدونة المنع في مسألة الاستنجاء بالخاتم من أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب في منع مبايعة أهل الذمة بالدنانير والدراهم المنقوشة عليها أسماء الله تعالى ، وفيها أيضا قول بالجواز ، انتهى .

وصرح بذلك في الجواهر فقال : ويقدم الذكر قبل الوصول إلى موضع الحدث ويجوز له أيضا بعد وصوله إن كان موضعا غير معتاد للحدث ، وإن كان معتادا له فقولان في جوازه ومنعه وهما جاريان أيضا في جواز الاستنجاء بالخاتم مكتوب فيه ذكر الله . انتهى ، وقال الشارح في شروحه : المشهور أنه لا يجوز في المعد وقيل بجوازه وكلام هؤلاء صريح في المنع ومقتضاه حرمة الذكر ووجوب تنحية كل ما فيه ذكر وأما البساطي وابن الفرات والأقفهسي فلم يصرحوا بالمنع ولم يذكر ابن عرفة نقلا صريحا في المنع بل قال ويؤمر مريد الحديث بذكر ، نحو أعوذ بالله من الخبث والخبائث قبل فعله في غير معد له وفيه قال اللخمي قبل دخوله وروى عياض جوازه فيه ، انتهى . وكلام اللخمي كذلك ليس فيه منع ونصه ويستحب أن يستعيذ بالله قبل التلبس بذلك إن كان بصحراء وإن كان في الحاضرة قبل دخوله الخلاء ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية