هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير
قال أبو جعفر بن جرير : وفي سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة وذلك لأنه مال جدارها مما رميت به من حجارة المنجنيق ، فهدم الجدران حتى وصل إلى أساس إبراهيم ، وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك ، وجعل الحجر الأسود في تابوت في سرقة من حرير ، وادخر ما كان في الكعبة من حلي وثياب وطيب عند الخزان ، حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبنيها عليه من الشكل .
وقال الواقدي : لما أراد ابن الزبير هدم البيت شاور الناس في هدمها ، فأشار عليه جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير بذلك ، وقال ابن عباس : أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها ، فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها ، ولكن أرى أن تصلح ما وهى منها ، وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها . فقال ابن الزبير : لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يجدده ، فكيف ببيت ربكم ؟ ! ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام ، ثم غدا في اليوم الرابع ، فبدأ ينقض الركن إلى الأساس ، فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا أصلا بالحجر مشبكا كأصابع اليدين ، فدعا ابن الزبير خمسين رجلا وأشهدهم على ذلك ، ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه ، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض ; باب يدخل منه وباب يخرج منه ، ووضع الحجر الأسود بيده ، وشده بفضة ; لأنه كان قد تصدع ، وجعل طول الكعبة سبعة وعشرين ذراعا ، وكان طولها سبعة عشر ذراعا فاستقصره ، وزاد في وسع الكعبة عشرة أذرع ، ولطخ جدرانها بالمسك ، وسترها بالديباج ، ثم اعتمر من مساجد عائشة ، وطاف بالبيت ، وصلى وسعى ، وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد من الحجارة والزبالة ، وما كان حولها من الدماء ، وكانت الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق ، واسود الركن ، وانصدع الحجر الأسود من النار التي كانت حول الكعبة .
سبب تجديد عبد الله بن الزبير للكعبة وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من المسانيد والسنن ، من طرق ، عن عائشة أم المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512617 " لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر ، فإن قومك قصرت بهم النفقة ، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر ، ولألصقت بابها بالأرض ، فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا " . فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجزاه الله خيرا . ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين ، وقتله وصلبه هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولا ، وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف الكعبة فرضها فيها ، فارتفع الباب ، وسد الغربي ، وتلك آثاره إلى الآن ، وذلك بأمر عبد الملك بن مروان له في ذلك ، ولم يكن بلغه الحديث ، فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال : وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك .
وقد هم
المهدي بن المنصور العباسي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير ، واستشار الإمام مالك بن أنس في ذلك ، فقال : إني أكره أن يتخذها الملوك ملعبة . يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم ، فهذا يرى رأي ابن الزبير ، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقيل : كانت عمارتها سنة خمس وستين . ويمكن أن يكون النقض في سنة والبناء في السنة الأخرى .