وفي سنة أربع وستين
وفي أول المحرم منها سار مسلم بن عقبة - بعد فراغه من حرب أهل المدينة - إلى مكة قاصدا ومن التف عليه من الأعراب على مخالفة يزيد بن معاوية ، واستخلف عليها روح بن زنباع ، فلما بلغ ثنية هرشى بعث إلى رءوس الأجناد فجمعهم ، فقال : إن أمير المؤمنين عهد إلي إن حدث بي حدث الموت أن أستخلف عليكم حصين بن نمير السكوني ، ووالله لو كان الأمر لي ما فعلت . ثم دعا به فقال : انظر يابن بردعة الحمار فاحفظ ما أوصيك به . ثم أمره إذا وصل مكة أن يناجز ابن الزبير قبل ثلاث ، ثم قال : اللهم إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله أحب إلي من قتلي أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة ، وإن دخلت النار بعد ذلك إني لشقي . ثم مات ، قبحه الله ، ودفن بالمشلل . فيما قاله الواقدي . قتال ابن الزبير
وسار حصين بن نمير بالجيش نحو مكة ، فانتهى إليها لأربع بقين من المحرم فيما قاله الواقدي . وقيل : لسبع مضين منه . وقد تلاحق بابن الزبير جماعات ممن بقي من أشراف أهل المدينة وانضاف إليه أيضا نجدة بن عامر الحنفي من أهل اليمامة في طائفة من أهلها ; ليمنعوا البيت من أهل الشام ، فنزل حصين بن نمير ظاهر مكة ، وخرج إليه ابن الزبير في أهل مكة ومن التف معه ، فاقتتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا ، وتبارز المنذر بن الزبير ورجل من أهل الشام فقتل كل واحد منهما صاحبه ، وحمل أهل الشام حملة صادقة ، فانكشف أهل مكة ، وعثرت بغلة عبد الله بن الزبير به ، فكر عليه المسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وطائفة ، فقاتلوا دونه حتى قتلوا جميعا ، وصابرهم ابن الزبير حتى الليل ، فانصرفوا عنه ، ثم اقتتلوا في بقية شهر المحرم وصفرا بكماله ، فلما كان يوم السبت ثالث ربيع الأول سنة أربع وستين ، نصبوا المجانيق على الكعبة ، ورموها حتى بالنار ، فاحترق جدار البيت في يوم السبت - هكذا قال الواقدي - وهم يقولون :
خطارة مثل الفنيق المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد
وجعل عمرو بن حوطة السدوسي يقول :كيف ترى صنيع أم فروه تأخذهم بين الصفا والمروه
وماتت امرأة من قريش ، فخرج الناس كلهم مع جنازتها؛ خوفا من أن ينزل العذاب عليهم ، وأصبح ابن الزبير ساجدا يدعو ويقول: "اللهم إني لم أعتمد ما جرى ، فلا تهلك عبادك بذنبي ، وهذه ناصيتي بين يديك" . وأقام أهل الشام يحاصرون ابن الزبير حتى بلغهم نعي يزيد بن معاوية لهلال ربيع الآخر .