ترجمة مروان بن الحكم جد خلفاء بني أمية الذين كانوا بعده

هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ، أبو عبد الملك ، ويقال : أبو الحكم . ويقال : أبو القاسم . وأمه بنت علقمة بن صفوان بن أمية من كنانة ، وكان مولده سنة اثنين من الهجرة ، وكان أبوه قد أسلم عام الفتح ، ونفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف لأنه يتجسس عليه ، ورآه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما يمشي ويتخلج في مشيه كأنه يحكيه ، فقال له : كن كذلك ، فما زال كذلك حتى مات .

ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلم عثمان أبا بكر في رده ، لأنه عمه ، فلم يفعل ، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه أيضا في رده فلم يفعل ، فلما ولي عثمان رده وقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدني أن يرده إلى المدينة ، فكان ذلك مما أنكر الناس عليه .

وتوفي في خلافة عثمان فصلى عليه ، وقد رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه ، رواها الحافظ ، وفي أسانيدها كلام . وهو صحابي عند طائفة كثيرة لأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه في حديث صلح الحديبية ، وفي رواية في " صحيح البخاري " ، عن مروان والمسور بن مخرمة ، الحديث بطوله . وروى عن عمر ، وعثمان ، وكان كاتبه ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وبسرة بنت صفوان الأسدية ، وكانت حماته . وقال الحاكم أبو أحمد : كانت خالته . ولا منافاة بين كونها حماته وخالته . وروى عنه ابنه عبد الملك ، وسهل بن سعد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، ومجاهد وغيرهم .

قال الواقدي ومحمد بن سعد : أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يحفظ عنه شيئا ، وكان عمره ثماني سنين حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم . وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين . مكانة مروان بن الحكم وشيء من أخباره وقد كان مروان من سادات قريش وفضلائها .

روى ابن عساكر وغيره أن عمر بن الخطاب خطب امرأة إلى أمها ، فقال : إن جريرا البجلي يخطب إليكم أسلم ، وهو سيد شباب المشرق ، ومروان بن الحكم ، وهو سيد شباب قريش ، وعبد الله بن عمر ، وهو من قد علمتم ، وعمر . فقالت المرأة : أجاد يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم . قالت : قد زوجناك يا أمير المؤمنين .

وقد كان عثمان بن عفان يكرمه ويعظمه ، وكان كاتب الحكم بين يديه ، وقد قاتل مروان يوم الدار قتالا شديدا ، وقتل بعض أولئك الخوارج فلما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان سار معهم فقاتل قتالا شديدا ، فلما نظر إلى طلحة ، قال: والله إن كان دم عثمان إلا عند هذا ، فرماه بسهم فقتله ، وتوارى إلى أن أخذ له الأمان من علي ، فأتاه فبايعه ثم انصرف إلى المدينة ، فلم يزل بها حتى ولي معاوية فولاه المدينة سنة اثنتين وأربعين ، فلما وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا بني أمية من المدينة وأخرجوه ، فجعل يحرض مسلم بن عقبة عليهم ، ورجع معه حتى ظفر بأهل المدينة ، فانتهبها ثلاثا ، وقدم على يزيد ، فشكر له ذلك

وقال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : كان علي يوم الجمل حين انهزم الناس يكثر السؤال عن مروان ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنه تعطفني عليه رحم ماسة ، وهو سيد من شباب قريش .

وعن قبيصة بن جابر ، أنه قال لمعاوية : من ترى لهذا الأمر من بعدك ؟ فقال : وأما القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، الشديد في حدود الله ، فمروان بن الحكم . وقد استنابه على المدينة غير مرة ، يعزله ثم يعيده إليها ، وأقام للناس الحج في سنين متعددة .

وقال حنبل عن الإمام أحمد قال : يقال : إنه كان عند مروان قضاء ، وكان يتبع قضاء عمر بن الخطاب .

وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول وذكر مروان يوما ، فقال : قال مروان : قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هراقة الدماء وهذا الشأن .

وقال إسماعيل بن عياش ، بسنده عن شريح بن عبيد وغيره قال : كان مروان إذا ذكر الإسلام قال :


بنعمة ربي لا بما قدمت يدي ولا ببراتي إنني كنت خاطئا

وقال الليث ، بسنده عن سالم أبي النضر ، أنه قال : شهد مروان جنازة ، فلما صلى عليها انصرف ، فقال أبو هريرة : أصاب قيراطا وحرم قيراطا . فأخبر بذلك مروان ، فأقبل يجري قد بدت ركبتاه ، فقعد حتى أذن له .

وروى المدائني بسنده أن مروان كان أسلف علي بن الحسين حين رجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه ستة آلاف دينار ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئا ، فبعث إليه عبد الملك بذلك ، فامتنع من قبولها ، فألح عليه فقبلها .

وقال الشافعي بسنده أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها ، ويعتدان بها .

وعن الزهري قال: اجتمع مروان وابن الزبير عند عائشة ، فذكر مروان بيت لبيد:


وما المرء إلا كالشهاب وضوئه     يجوز رمادا بعد إذ هو ساطع

فقال ابن الزبير: لو شئت لقلت ما هو أفضل من هذا:


ففوض إلى الله الأمور إذا اعترت     وبالله لا بالأقربين لدافع

فقال مروان:


وداو ضمير القلب بالبر والتقى     ولا يستوي قلبان قاس وخاشع



فقال ابن الزبير:


ولا يستوي عبدان عبد مكلم     عتل لأرحام الأقارب قاطع

فقال مروان:


وعبد تجافى جنبه عن فراشه     يبيت يناجي ربه وهو راكع

فقال ابن الزبير:


وللخير أهل يعرفون بهداهم     إذا حجبتهم في الخطوب الجوامع

فقال مروان:


وللشر أهل يعرفون بشكلهم     تشير إليهم بالفجور الأصابع

فسكت ابن الزبير ، فقالت عائشة: ما لك؟! فما سمعت بمحاورة قط أحسن من هذه ، ولكن لمروان إرث في الشعر ليس لك ، فقال ابن الزبير لمروان: عرضت ، قال: بل أنت أشد تعريضا ، طلبت يدك فأعطيتني رجلك . مروان بن الحكم أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد وقد روى عبد الرزاق بسنده عن طارق بن شهاب قال : أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد مروان ، فقال له رجل : خالفت السنة . فقال له مروان : إنه قد ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .

قالوا : ولما كان نائبا بالمدينة كان إذا وقعت معضلة جمع من عنده من الصحابة ، فاستشارهم فيها . قالوا : وهو الذي جمع الصيعان ، فأخذ بأعدلها ، فنسب إليه الصاع ، فقيل : صاع مروان .

وقال الزبير بن بكار بسنده عن إسماعيل بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : خرج أبو هريرة من عند مروان ، فلقيه قوم قد خرجوا من عنده فقالوا : إنه أشهدنا الآن على مائة رقبة أعتقها الساعة . قال : فغمز أبو هريرة يدي ، وقال : يا أبا سعيد ، يك من كسب طيب خير من مائة رقبة . قال الزبير : اليك : الواحد .

وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا بلغ بنو أبي فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، ودين الله دخلا ، وعباد الله خولا " .

مروان بن الحكم كان من أكبر الأسباب في حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه ومروان كان أكبر الأسباب في حصار عثمان ، لأنه زور على لسانه كتابا إلى مصر بقتل أولئك الوفد ، ولما كان متوليا على المدينة لمعاوية كان يسب عليا كل جمعة على المنبر ، وقال له الحسن بن علي : لقد لعن الله أباك الحكم وأنت في صلبه على لسان نبيه ، فقال : " لعن الله الحكم وما ولد " والله أعلم .

البيعة لمروان بن الحكم وقد تقدم أن حسان بن مالك بن بحدل لما قدم عليه مروان أرض الجابية ، أعجبه إتيانه إليه ، فبايعه ، وبايع له أهل الأردن على أنه إذا انتظم له الأمر نزل عن الإمرة لخالد بن يزيد ، ويكون لمروان إمرة حمص ، ولعمرو بن سعيد نيابة دمشق .

وكانت البيعة لمروان يوم الاثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين . قاله الليث بن سعد وغيره .

وقال الليث : وكانت وقعة مرج راهط في ذي الحجة ، من هذه السنة بعد عيد النحر بيومين .

قالوا : فغلب الضحاك بن قيس ، واستوسق له ملك الشام ومصر ، فلما استقر ملكه في هذه البلاد بايع من بعده لولده عبد الملك ، ثم من بعده لولده عبد العزيز - والد عمر بن عبد العزيز - وترك البيعة لخالد بن يزيد بن معاوية ; لأنه كان لا يراه أهلا للخلافة ، ووافقه على ذلك حسان بن مالك ، وإن كان خالا لخالد بن يزيد ، وهو الذي قام بأعباء بيعة عبد الملك ، وفاة مروان بن الحكم ثم إن أم خالد دبرت أمر مروان فسمته ، ويقال : بل وضعت على وجهه وهو نائم وسادة ، فمات مخنوقا ، ثم إنها أعلنت الصراخ هي وجواريها وصحن : مات أمير المؤمنين فجأة . فقام من بعده ولده عبد الملك بن مروان في الخلافة.

وقال عبد الله بن أبي مذعور : حدثني بعض أهل العلم قال : كان آخر ما تكلم به مروان : وجبت الجنة لمن خاف النار . وكان نقش خاتمه : العزة لله .

وقال الأصمعي بسنده عن حرب بن زياد قال : كان نقش خاتم مروان بن الحكم آمنت بالعزيز الرحيم .

وكانت وفاته بدمشق عن إحدى - وقيل : ثلاث - وستين سنة .

وقال أبو معشر وغير واحد : كان عمره يوم توفي إحدى وثمانين سنة .

وقال خليفة : حدثني الوليد بن هشام ، عن أبيه ، عن جده قال : مات مروان بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة خمس وستين ، وهو ابن ثلاث وستين وصلى عليه ابنه عبد الملك ، وكانت ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يوما . وقال غيره : عشرة أشهر .

وقال ابن أبي الدنيا وغيره : كان قصيرا ، أحمر الوجه ، أوقص ، دقيق العنق ، كبير الرأس واللحية ، وكان يلقب : خيط باطل .

قال الحافظ ابن عساكر : وذكر سعيد بن كثير بن عفير ، أن مروان مات حين انصرف من مصر بالصنبرة ، ويقال : بلد . وقد قيل : إنه مات بدمشق ، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية