ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر سليمان بن صرد الخزاعي أبو مطرف الكوفي سليمان بن صرد الخزاعي أبو مطرف الكوفي صحابيا جليلا نبيلا عابدا زاهدا ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في " الصحيحين " وغيرهما ، وعن محمد بن جرير ، عن رجاله ، قال: سليمان بن صرد أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان اسمه يسارا ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان ، ونزل الكوفة حين نزلها المسلمون ، وشهد مع علي رضي الله عنه صفين ، ، وكان أحد من كان يجتمع الشيعة في داره لبيعة الحسين ، وكتب إلى الحسين فيمن كتب بالقدوم إلى العراق ، فلما قدمها تخلوا عنه ، وقتل بكربلاء ، ورأى هؤلاء أنهم كانوا سببا في قدومه ، وأنهم خذلوه حتى قتل هو وأهل بيته ، فندموا على ما فعلوا ، ثم اجتمعوا في هذا الجيش ، وسموا جيشهم جيش التوابين ، وسموا سليمان بن صرد أمير التوابين ، فقتل سليمان ، رضي الله عنه ، في هذه الوقعة بعين وردة ، سنة خمس وستين . وقيل : سنة سبع وستين . والأول أصح . وكان عمره يوم قتل ثلاثا وتسعين سنة ، رحمه الله .

المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري وأما المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري ، فإنه قدم مع خالد بن الوليد من العراق وشهد فتح دمشق ، ثم عاد إلى العراق وشهد مع علي صفين وغيرها ، وكان أحد الكبار الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين ، رضي الله عنه ، وحمل رأسه ورأس سليمان بن صرد إلى مروان بن الحكم بعد الوقعة . جميل بن معمر جميل بن معمر -وقيل: ابن عبد الله- بن معمر بن الحارث بن ظبيان:

رأى بثينة وهو صبي صغير فهويها ، وهما من بني عذرة ، وتكنى بثينة أم عبد الملك ، فلما كبر خطبها ، فرد عنها ، فقال فيها الشعر ، وكان يزورها وتزوره ، ومنزلهما وادي القرى ، فجمع أهلها له جمعا ليأخذوه ، فأخبرته بثينة [فاختفى] وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان بن الحكم [وهو] يومئذ على المدينة من قبل معاوية ، فنذر ليقطعن لسانه ، فلحق بخذام فأقام هناك إلى أن عزل مروان .

وعن جعفر بن أحمد بن السراج ، قال: كنت مارا بين تيماء ووادي القرى مبادرا من مكة ، فرأيت صخرة عظيمة ملساء فيها تربيع بقدر ما يجلس عليها النفر كالدكة ، فقال بعض من كان معنا من العرب ، وأظنه جهنيا: هذا مجلس جميل وبثينة فاعرفه .

من أشعار جميل بن معمر ومن أشعاره المستحسنة فيها قوله:


حلت بثينة من قلبي بمنزلة بين الجوانح لم ينزل به أحد     صادت فؤادي بعينيها ومبتسم
كأنه حين تبديه لنا برد     وعاذلين لحوني في محبتها
يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد


لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم     لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا
قد مات قبلي أخو نهد وصاحبه     من قيس ثم اشتفى من عروة الكمد
وكلهم كان في عشق منيته     وقد وجدت بها فوق الذي وجدوا
إني لأحسبه أو كدت أعلمه     أن سوف يوردني الحوض الذي وردوا
إن لم ينلني بمعروف يجود به     أو يدفع الله عني الواحد الصمد

وقال أيضا:


لحى الله من لا ينفع الود عنده     ومن حبله إن مد غير متين
ومن هو إن تحدث له العين نظرة     يقطع لها أسباب كل قرين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم     على خلق خوان كل يمين
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي     وهموا بقتلي يا بثين لقوني
إذا ما رأوني طالعا من ثنية     يقولون من هذا وقد عرفوني
يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا     ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
وكيف ولا توفي دماؤهم دمي     ولا مالهم مالي إذا فقدوني

وقال أيضا:


فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها     ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها     ولكن طلابيها لما فات من عقلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما     قتيلا بكى من حب قاتله قبلي

وعن المثنى بن سعد الجعفي ، قال: بلغني أن كثير عزة لقي جميلا ، فقال له: متى عهدك ببثينة؟ قال: ما لي بها عهد منذ عام أول وهي تغسل ثوبا بوادي الدوم ، فقال كثير: أتحب أن أعيدها لك الليلة؟ قال: نعم ، فأقبل راجعا إلى بثينة ، فقال له أبوها: يا فلان ما ردك؟ أما كنت عندنا قبيل؟ قال: بلى ، ولكن حضرت أبيات قلتها في عزة ، قال: وما هي؟ فقال:


فقلت لها يا عز أرسل صاحبي     على باب داري والرسول موكل
أما تذكرين العهد يوم لقيتكم     بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

فقالت بثينة: اخسأ ، فقال أبوها: ما هاجك ، قالت: كلب لا يزال يأتينا من وراء هذا الجبل بالليل وأنصاف النهار .

قال: فرجع إليه فقال: قد وعدتك وراء هذا الجبل بالليل وأنصاف النهار ، فالقها إذا شئت .

وحكى أبو محمد بن قتيبة عن بعض الناس أنه قال: خرجت من تيماء فرأيت عجوزا على أتان ، فقلت: ممن أنت؟ فقالت: من عذرة ، قلت: هل تروين عن بثينة وجميل شيئا؟ فقالت: والله إني لعلى ماء من الجناب وقد اعتزلنا الطريق وقد خرج رجالنا في سفر وخلفوا عندنا غلمانا أحداثا ، وقد انحدر الغلمان عشية إلى صرم قريب منا يتحدثون إلى جوار منهم ، وقد بقيت أنا وبثينة نستبرم غزلا لنا إذ انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا ، فسلم ونحن مستوحشون ، فرددت السلام ، ونظرت فإذا رجل واقف شبهته بجميل ، ودنا فأتيته فقلت: جميل ، قال: أي والله ، قلت: عرضتنا ونفسك للشر ، فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التي من ورائك ، وأشار إلى بثينة ، فإذا هو لا يتماسك ، فقمت إلى قعب فيه أقط مطحون وتمر ، وإلى عكة فيها سمن فعصرته على الأقط وأدنيته منه ، فقلت: أصب من هذا ، ففعل ، وقمت إلى سقاء فيه لبن ، فصببت له في قدح ، وشننت عليه من الماء فشرب وتراجع ، فقلت: لقد جهدت فما أمرك؟ قال: أردت مصر فجئت لأودعكم وأحدث بكم عهدا ، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث أنتظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية ، فجئت لأجدد بكم العهد ، فحدثنا ساعة ثم ودعناه وانطلق . فما لبثنا إلا يسيرا حتى أتانا نعيه من مصر .

وفاة جميل بن معمر وعن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، قال: كنت بالشام فقال لي قائل: هل لك في جميل فإنه لم به ، فدخلت عليه وهو يجود بنفسه وما يخيل لي أن الموت يكتريه ، فقال لي: يا ابن سعد ، ما تقول في رجل لم يسفك دما حراما قط ، ولم يشرب خمرا قط ، ولم يزن قط ، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله منذ خمسين سنة ، قلت: من هذا؟ ما أحسبه إلا ناجيا ، قال الله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما [4: 31] فلعلك تعني نفسك ، قال: نعم ، قلت: كيف وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة ، قال: هذا آخر وقت من أوقات الدنيا ، وأول وقت من أوقات الآخرة ، فلا نالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط ، وإن كان أكثر ما نلت منها ، إلا أني كنت آخذ يدها فأضعها على قلبي فأستريح إليها . ثم أغمي عليه ، وأفاق ، فأنشأ يقول:


صرخ النعي وما كنى بجميل     وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر الذيل في وادي القرى     نشوان بين مزارع ونخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل     وابكي خليلك قبل كل خليل

ثم أغمي عليه فمات .



وعن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال: لما حضرت الوفاة جميلا بمصر قال: من يعلم بثينة؟ فقال رجل: أنا ، فلما مات صار إلى حي بثينة فقال:


بكر النعي وما كنى بجميل     وثوى بمصر ثواء غير قفول
[بكر النعي بفارس ذي همة     بطل إذا حمل اللواء نزيل]

فخرجت بثينة مكشوفة الرأس ، فقالت:


وإن سلوي عن جميل لساعة     من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر     إذا مت بأساء الحياة ولينها



عبد الله بن عمرو بن العاص عبد الله بن عمرو بن العاص :

أسلم قبل أبيه ، وكان متعبدا ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟" قال: بلى ، فقال له: "صم وأفطر وصل ونم ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لربك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا" .

وعن عبد الله بن عمرو ، قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب ما سمعت منه فأذن لي فكتبته . فكان عبد الله يسمي صحيفته [تلك] الصادقة .

وعن هارون بن رئاب ، قال: لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة ، قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش ، وقد كان مني إليه شبيه بالوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، اشهدوا أني قد زوجتها إياه .

توفي عبد الله بالشام في هذه السنة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة .

وقيل : توفي سنة ثمان وستين .

التالي السابق


الخدمات العلمية