لا يزال بنيانهم الذي بنوا أي بناؤهم الذي بنوه فالبنيان مصدر أريد به المفعول كما مر، ووصفه بالمفرد مما يرد على مدعي الجمعية وكذا الإخبار عنه بقوله سبحانه:
ريبة في قلوبهم واحتمال تقدير مضاف وجعل الصفة وكذا الخبر له خلاف الظاهر . نعم قيل: الإخبار بريبة لا دليل فيه على عدم الجمعية لأنه يقال: الحيطان منهدمة والجبال راسية وجوز بعضهم كون البنيان باقيا على المصدرية و
الذي مفعوله والريبة اسم من الريب بمعنى الشك وبذلك فسرها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمراد به شكهم في نبوته صلى الله عليه وسلم المضمر في قلوبهم وهو عين النفاق وجعل بنيانهم نفس الريبة للمبالغة في كونه سببا لها قال الإمام: وفي ذلك وجوه
أحدها أن المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم . وثانيها أنه لما أمر بتخريبه ظنوا أن ذلك للحسد فارتفع أمانهم عنه صلى الله تعالى عليه وسلم وعظم خوفهم فارتابوا في أنهم هل يتركون على حالهم أو يؤمر بقتلهم ونهب أموالهم . وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء فلما أمر بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بذلك والصحيح هو الأول
ويمكن كما قال العلامة
الطيبي أن يرجح الثاني بأن تحمل الريبة على أصل موضوعها ويراد منها قلق النفس واضطرابها
وحاصل المعنى لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا سببا للقلق والاضطراب والوجل في القلوب ووصف بنيانهم بما وصف للإيذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على ما عليه تأسيسه مما علمت وللإشعار بعلة الحكم وقيل: وصف بذلك للدلالة على أن المراد بالبنيان ما هو المبني حقيقة لا ما دبروه من الأمور فإن البناء قد يطلق على تدبير الأمر وتقديره
[ ص: 24 ] كما في قولهم: كم أبني وتهدم وعليه قوله:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وحاصله أن الوصف للتأكيد وفائدته دفع المجاز وهذا نظير ما قالوا في قوله سبحانه:
وكلم الله موسى تكليما وفيه بحث
والاستثناء في قوله تعالى:
إلا أن تقطع قلوبهم من أعم الأوقات أو أعم الأحوال وما بعد إلا في محل النصب على الظرفية أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطعها أي تفرقها وخروجها عن قابلية الإدراك وهذا كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك وإضمار الشرك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا إذا تقطعت وفرقت وحينئذ تخرج منها الريبة وتزول، وهو خارج مخرج التصوير والفرض، وقيل: المراد بالتقطع ما هو كائن بالموت من تفرق أجزاء البدن حقيقة وروي ذلك عن بعض السلف . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره عن
أيوب قال: كان
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة يقرأ: (إلا أن تقطع قلوبهم في القبور) وقيل: المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فالتقطع كناية أو مجاز عن شدة الأسف . وروى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان، وتقطع من التفعل بإحدى التاءين والبناء للفاعل أي تتقطع وقرئ (تقطع) على بناء المجهول من التفعيل وعلى البناء للفاعل منه على أن الخطاب للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أي إلا أن تقطع أنت قلوبهم بالقتل وقرئ على البناء للمفعول من الثلاثي مذكرا ومؤنثا
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن (إلى أن تقطع) على الخطاب وفي قراءة
عبد الله (ولو قطعت قلوبهم) على إسناد الفعل مجهولا إلى قلوبهم، وعن طلحة ولو قطعت قلوبهم على خطاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصح أن يعنى بالخطاب كل مخاطب، وكذا يصح أن يجعل ضمير تقطع مع نصب قلوبهم للريبة والله عليم بجميع الأشياء التي من جملتها ما ذكر من أحوالهم
حكيم 110 في جميع أفعاله التي من جملتها أمره سبحانه الوارد في حقهم