قل لهم بعدما بينت لهم كيفية حالك وجريان سنة الله تعالى فيما بين الأمم على الإطلاق ونبهتهم على أن عذابهم أمر مقرر محتوم لا يتوقف إلا على مجيء أجله المعلوم إيذانا بكمال دنوه وتنزيلا له منزلة إتيانه حقيقة
أرأيتم إن أتاكم عذابه الذي تستعجلون به ولعل استعمال
إن من باب المجاراة
بياتا أي وقت بيات أو
نهارا أي عند اشتغالكم بمشاغلكم وإنما لم يقل ليلا ونهارا ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم والغفلة والبيات متكفل بذلك لأنه الوقت الذي يبيت فيه العدو ويوقع فيه ويغتنم فرصة
[ ص: 133 ] غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار وقد يقال: النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو زمان قيلولة بخلاف الليل فإن محل الغفلة فيه ما قارب وسطه وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر والبيات جاء بمعنى البيتوتة وبمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم والمعنى المراد هنا مبني على هذا
ماذا يستعجل منه المجرمون 50 أي أي شيء يستعجلون من العذاب وليس شيء منه يوجب الاستعجال لما أن كله مكروه مر المذاق موجب للنفار فمن للتبعيض والضمير للعذاب والتنكير في شيء للفردية وجوز أن يكون المعنى على التعجب وهو مستفاد من المقام كأنه قيل: أي هول شديد يستعجلون منه فمن بيانية وتجريدية بناء على عد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لها منها وقيل: الضمير لله تعالى وعليه فالمعنى على الثاني ولكن تزول فائدة الإبهام والتفسير وما فيه من التفخيم
وما قيل: إنه أبلغ على معنى هل تعرفون ما العذاب المعذب به هو الله سبحانه (1) فهو مشترك على التقديرين ألا ترى إلى قوله تعالى:
عذابه و
ماذا بمعنى أي شيء منصوب المحل مفعولا مقدما وهو أولى من جعله مبتدأ ومن فعل قدر العائد ومن قال: إن ضمير
منه هو الرابط مع تفسيره بالعذاب جنح إلى أن المستعجل من العذاب فهو شامل للمبتدأ فيقوم مقام رابطه لأن عموم الخبر في الاسم الظاهر يكون رابطا على المشهور ففي الضمير أولى وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء أن الضمير عائد إلى المبتدأ وهو الرابط وجعل ذلك نظير قولك: زيد أخذت منه درهما وليس بشيء كما لا يخفى والمراد من المجرمون المخاطبون وعدل عن الضمير إليه للدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من إتيان العذاب فضلا عن أن يستعجلوه وقيل: النكتة في ذلك إظهاره تحقيرهم وذمهم بهذه الصفة الفظيعة والجملة متعلقة بأرأيتم على أنها استئناف بياني أو في محل نصب على المفعولية وعلق عنها الفعل للاستفهام وهو في الأصل استفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية ثم استعمل بمعنى أخبروني لما بين الرؤية والإخبار من السببية والمسببية في الجملة فهو مجاز فيما ذكر وإليه ذهب الكثير وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان إلى أن ذلك بطريق التضمين ولم يستعمل إلا في الأمر العجيب وجواب الشرط محذوف أي إن أتاكم عذابه في أحد ذينك الوقتين تندموا أو تعرفوا الخطأ أو فأخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان تعين الأخير لأن الجواب إنما يقدر مما تقدمه لفظا أو تقديرا ولم يدر أن تقديره من غير جنس المذكور إذا قامت قرينة عليه ليس بعزيز ولئن سلم صحة الحصر الذي ادعاه فما ذكر غير خارج عنه بناء على أن المقصود من
أرأيتم ماذا يستعجل منه إلخ تنديمهم أو تجهيلهم كما نص عليه بعض المحققين
وفي الكشف تقريرا لأحد الأوجه المذكورة في الكشاف أن
ماذا إلخ متعلق الاستخبار والشرط مع جوابه المحذوف مقرر لمضمون الاستخبار ولهذا وسط بينهما ولما كان في الاستفهام تجهيل وتنديم قدر الجواب تندموا أو تعرفوا الخطأ ولا مانع من تقديرهما معا أو ما يفيد المعنيين ولهذا حذف الجواب ووسط تأكيدا على تأكيد انتهى
وجوز كون
ماذا يستعجل جوابا للشرط كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني والمجموع بتمامه متعلق بأرأيتم ورد بأن جواب الشرط إذا كان استفهاما فلا بد فيه من الفاء تقول: إن زارنا فلان فأي رجل هو ولا تحذف إلا ضرورة وقد صرح في المفصل بأن الجملة إذا كانت إنشائية لا بد من الفاء معها والاستفهام وإن لم يرد به حقيقته لم يخرج عن الإنشائية والمثال مصنوع فلا يعول عليه
[ ص: 134 ] وأجيب بأن
nindex.php?page=showalam&ids=14374الرضي صرح بأن وقوع الجملة الاستفهامية جوابا بدون الفاء ثابت في كثير من الكلام الفصيح ولو سلم ما ذكر فيقدر القول وحذفه كثير مطرد بلا خلاف وأورد أيضا على هذا الوجه أن استعجال العذاب قبل إتيانه فكيف يكون مرتبا عليه وجزاء له وأجيب بأنه حكاية عن حال ماضية أي ماذا كنتم تستعجلون ويشهد لهذا التصريح - بكنتم - فيما بعد والقرآن يفسر بعضه بعضا وأنت تعلم أن مجرد ذلك لا يجوز كونه جوابا لأن الاستعجال الماضي لا يترتب على إتيان العذاب فلا بد من تقدير نحو تعلموا أي تعلموا ماذا إلخ وقيل: إن أتاكم بمعنى إن قارب إتيانه إياكم أو المراد إن أتاكم أمارات عذابه وقيل: حيث إن المراد إنكار الاستعجال بمعنى نفيه رأسا صح كونه جوابا واعترض على جعل مجموع الشرطية متعلقا (بأرأيتم)بأنه لا يصح أن يكون مفعولا به له بناء على أنه بمعنى أخبروني وهو متعد بعن ولا تدخل الجملة إلا أنها إذا اقترنت بالاستفهام وقلنا بجواز تعليقها وفيه كلام في العربية ودفع بأن مراد القائل بالتعلق التعلق اللغوي لأن المعنى أخبروني عن صنيعكم إن أتاكم إلخ