فهل عسيتم خطاب لأولئك الذين في قلوبهم مرض بطريق الالتفات لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع، وهل للاستفهام والأصل فيه أن يدخل الخبر للسؤال عن مضمونه والإنشاء الموضوع له عسى ما دل عليه بالخبر أي فهل يتوقع منكم وينتظر
إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم فهو من الولاية والمفعول به محذوف وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم تناحرا على الولاية وتكالبا على جيفة الدنيا والمتوقع كل من يقف على حالهم إلا الله عز وجل إذ لا يصح منه سبحانه ذلك والاستفهام أيضا بالنسبة إلى غيره جل وعلا فالمعنى إنكم لما عهد منكم من الأحوال الدالة على الحرص على
[ ص: 69 ] الدنيا حيث أمرتم بالجهاد الذي هو وسيلة إلى ثواب الله تعالى العظيم فكرهتموه وظهر عليكم ما ظهر أحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف حالكم يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض إلخ.
وفسر بعضهم التولي بالإعراض عن الإسلام فالفعل لازم أي فهل عسيتم إن أعرضتم عن الإسلام أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات، وتعقب بأن الواقع في حيز الشرط في مثل هذا المقام لا بد أن تكون محذوريته باعتبار ما يتبعه من المفاسد لا باعتبار ذاته ولا ريب في أن الإعراض عن الإسلام رأس كل شر وفساد فحقه أن يجعل عمدة في التوبيخ لا وسيلة للتوبيخ بما دونه من المفاسد، ويؤيد الأول قراءة بعض ( وليتم) مبنيا للمفعول وكذا قراءته عليه الصلاة والسلام على ما ذكر في البحر ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه.
ورويس nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب ( توليتم ) بالبناء للمفعول أيضا بناء على أن المعنى تولاكم الناس واجتمعوا على موالاتكم، والمراد كنتم فيهم حكاما، وقيل: المعنى تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم واستظهر
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان تفسيره بالإعراض إلا أنه قال: المعنى إن أعرضتم عن امتثال أمر الله تعالى في القتال أن تفسدوا في الأرض بعدم معونة أهل الإسلام على أعدائهم وتقطعوا أرحامكم لأن من أرحامكم كثيرا من المسلمين فإذا لم تعينوهم قطعتم ما بينكم وبينهم من الرحم.
وتعقب بأن حمل الإفساد على الإفساد بعدم المعونة فيه خفاء، وكذا الإتيان بأن عليه دون إذا من حيث إن الإعراض عن امتثال أمر الله تعالى في القتال كالمحقق من أولئك المنافقين فتأمل، ( وأن تفسدوا ) خبر عسى.
وإن توليتم اعتراض، وجواب أن محذوف يدل عليه ما قبله، وزعم بعضهم أن الأظهر جعل
إن توليتم حالا مقدرة، وفيه أن الشرط بدون الجواب لم يعهد وقوعه حالا في غير أن الوصلية وهي لا تفارق الواو، وإلحاق الضمائر بعسى كما في سائر الأفعال المتصرفة لغة أهل
الحجاز، وبنو تميم لا يلحقونها به ويلتزمون دخوله على أن والفعل فيقولون الزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا، وذكر الإمام هاتين اللغتين ثم قال: وأما قول من قال: عسى أنت تقوم وعسى أنا أقوم فدون ما ذكرنا للتطويل الذي فيه فإن كان مقصوده حكاية لغة ثالثة هي انفصال الضمير فنحن لا نعلم أحدا من نقلة اللسان العربي ذكرها وإن كان غير ذلك فليس فيه كثير جدوى.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع (عسيتم) بكسر السين المهملة، وهو غريب. وقرأ
عمرو في رواية.
وسلام nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب وأبان وعصمة (تقطعوا) بالتخفيف مضارع قطع،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ( تقطعوا) بفتح التاء والقاف وشد الطاء وأصله تتقطعوا بتاءين حذفت أحدهما ونصبوا ( أرحامكم ) على إسقاط الحرف أي في أرحامكم لأن تقطع لازم