سورة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم
وتسمى سورة القتال، وهي مدنية عند الأكثرين ولم يذكروا استثناء، وعن ابن عباس أنها مدنية إلا قوله تعالى: وقتادة وكأين من قرية إلى آخره فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم مكة إلى الغار التفت إليها وقال: (أنت أحب بلاد الله تعالى إلى الله وأنت أحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك). لما خرج من
فأنزل الله تعالى ذلك فيكون مكيا بناء على أن ما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. أعني ما نزل في سفر الهجرة من المكي اصطلاحا كما يؤخذ من أثر أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي بسنده إلى ، وعدة آيها أربعون في البصري وثمان وثلاثون في الكوفي وتسع بالتاء الفوقية وثلاثون فيما عداهما، والخلاف في قوله تعالى: يحيى بن سلام حتى تضع الحرب أوزارها وقوله تعالى: لذة للشاربين ولا يخفى قوة ارتباط أولها بآخر السورة قبلها واتصاله وتلاحمه بحيث لو سقطت من البين البسملة لكانا متصلا واحدا لا تنافر فيه كالآية الواحدة آخذا بعضه بعنق بعض، وكان صلى الله تعالى عليه وسلم على ما أخرج في الأوسط عن الطبراني رضي الله تعالى عنهما يقرؤها في صلاة المغرب. ابن عمر
وأخرج عن ابن مردويه كرم الله تعالى وجهه أنه قال: نزلت سورة علي محمد آية فينا وآية في بني أمية، ولا أظن صحة الخبر. نعم لكفار بني أمية الحظ الأوفر من عمومات الآيات التي في الكفار كما أن لأهل البيت رضي الله تعالى عنهم المعلى والرقيب من عمومات الآيات التي في المؤمنين، وأكثر من هذا لا يقال سوى أني أقول: لعن الله تعالى من قطع الأرحام وآذى الآل.
( بسم الله الرحمن الرحيم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أي أعرضوا عن الإسلام وسلوك طريقه أو منعوا غيرهم عن ذلك على أن صد لازم أو متعد، قال في الكشف: والأول أظهر لأن الصد عن سبيل الله هو الإعراض عما أتى به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لقوله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله فيطابق قوله تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وكثير من الآثار تؤيد الثاني، وفسر ( سبيل الله ) ببيت الله عز وجل، وقال: صدهم عنه منعهم قاصديه وليس بذلك. الضحاك
[ ص: 37 ] والآية عامة لكل من اتصف بعنوان الصلة، وقال : هم أي الذين كفروا وصدوا على الوجه الثاني في ( صدوا ) المطعمون يوم بدر الكبرى، وكأنه عنى من يدخل في العموم دخولا أوليا، فإن أولئك كانوا صادين بأموالهم وأنفسهم فصدهم أعظم من صد غيرهم ممن كفر وصد عن السبيل، وأول من أطعم منهم على ما نقل عن سيرة ابن عباس ابن سيد الناس أبو جهل عليه اللعنة نحر لكفار قريش حين خرجوا من مكة عشرا من الإبل، ثم صفوان بن أمية نحر تسعا بعسفان، ثم سهل بن عمرو نحر بقديد عشرا ثم شيبة بن ربيعة وقد ضلوا الطريق نحر تسعا ثم عتبة بن ربيعة نحر عشرا، ثم مقيس الجمحي بالأبواء نحر تسعا، ثم نحر عشرا، العباس والحرث بن عامر نحر تسعا، وأبو البختري على ماء بدر نحر عشرا، ومقيس تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم، وقيل: كانوا ستة نفر نبيه ومنبه ابنا الحجاج وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل والحرث ابنا هشام ، وضم إليهم ستة أخرى وهم مقاتل عامر بن نوفل وحكيم بن حزام وزمعة بن الأسود والعباس بن عبد المطلب وصفوان بن أمية أطعم كل واحد منهم يوما الأحابيش والجنود يستظهرون بهم على حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا ينافي عد وأبو سفيان بن حرب إن صحت الرواية من أولئك كونه مع العير لأن المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل من أطعم في الطريق وفي مدتها حتى انقضت، وقال أبي سفيان : هم اثنا عشر رجلا من أهل الشرك كانوا يصدون الناس عن الإسلام ويأمرونهم بالكفر، وقيل: هم شياطين من أهل الكتاب صدوا من أراد منهم أو من غيرهم عن الدخول في الإسلام. مقاتل
والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: أضل أعمالهم أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا نفع أصلا لا بمعنى أنه سبحانه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن كذلك بل بمعنى أنه عز وجل حكم ببطلانها وضياعها وأريد بها ما كانوا يعملونه من أعمال البر كصلة الأرحام وقرى الأضياف وفك الأسارى وغيرها من المكارم.
وجوز أن يكون المعنى جعلها ضلالا أي غير هدى حيث لم يوفقهم سبحانه لأن يقصدوا بها وجهه سبحانه أو جعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد المجازي، ومن قال الآية في المطعمين وأضرابهم قال: المعنى أبطل جل وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كالإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة والسلام وغيره بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار دينه على الدين كله، ولعله أوفق بما بعده، وكذا بما قيل إن الآية نزلت ببدر.