فلا تهنوا أي إذا علمتم أن الله تعالى مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفا، فالهاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله، وقيل: هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة
وتدعوا إلى السلم عطف على ( تهنوا ) داخل في حيز النهي أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خورا وإظهارا للعجز فإن ذلك إعطاء الدنية، وجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله. واستدل الكيا بهذا النهي على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة. وعلى تحريم ترك الجهاد إلا عند العجز، وقرأ
السلمي (وتدعوا) بتشديد الدال من ادعى بمعنى دعا، وفي الكشاف ذكر لا في هذه القراءة، ولعلى ذلك رواية أخرى، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16747وعيسى nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر (السلم) بكسر السين
وأنتم الأعلون أي الأغلبون، والعلو بمعنى الغلبة مجاز مشهور، والجملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى:
والله معكم أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : يجوز أن يكونا جملتين مستأنفتين أخبروا أولا أنهم الأعلون وهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم
ولن يتركم أعمالكم قال: ولن يظلمكم، وقيل: ولن ينقصكم، وقيل: ولن يضيعها، وهو كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد .
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم أو سلبته ماله وذهبت به، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام، وفيه هنا من الدلالة على مزيد لطف الله تعالى ما فيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=666735 (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله).
والظاهر على ما ذكره أنه لا بد من تضمين وترته معنى السلب ونحوه ليتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وفي الصحاح أنه من الترة وحمله على نزع الخافض أي جعلته موتورا لم يدرك ثاره في ذلك كأنه نقصه فيه وجعله نظير دخلت البيت أي فيه وهو سديد أيضا.
وجوز بعضهم (يتر) هاهنا متعديا لواحد ( وأعمالكم ) بدل من ضمير الخطاب أي لن يتر أعمالكم من ثوابها
[ ص: 81 ] والجملة قيل: معطوفة على قوله تعالى: ( معكم ) وهي وإن لم تقع حالا استقلالا لتصديرها بحرف الاستقبال المنافي للحال على ما صرح به العلامة التفتازاني وغيره لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وقيل: المانع من وقوع المصدرة بحرف الاستقبال حالا مخالفته للسماع وإلا فلا مانع من كونها حالا مقدرة مع أنه يجوز أن تكون (لن) لمجرد تأكيد النفي، والظاهر أن المانعين بنوا المنع على المنافاة وإنها إذا زالت باعتبار أحد الأمرين فلا منع لكن قيل:
إن الحال المقصود منها بيان الهيئة غير الحال الذي هو أحد الأزمنة، والمنافاة إنما هي بين هذا الحال والاستقبال. وهذا نظير ما قال مجوزو مجيء الجملة الماضية حالا بدون قد، وما لذلك وما عليه في كتب النحو، وإذا جعلت الجملة قبل مستأنفة لم يكن إشكال في العطف أصلا.