[ ص: 48 ] ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا وكانوا ينكحون روابهم ، وناس منهم يمقتونه من ذي مروآتهم ، ويسمونه نكاح المقت ، وكان المولود عليه يقال له المقتي ، ومن ثم قيل :
ومقتا : كأنه قيل : هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح ، قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين ، وقرئ : "لا تحل لكم" بالتاء ، على أن ترثوا بمعنى الوراثة ، وكرها - بالفتح
[ ص: 49 ] والضم - من الكراهة والإكراه ، وقرئ "بفاحشة مبينة" من أبانت بمعنى تبينت أو بينت ، كما قرئ "مبينة" بكسر الياء وفتحها ، و “ يجعل الله" بالرفع ، على أنه في موضع الحال ، "وآتيتم احداهن" : بوصل همزة إحداهن . كما قرئ "فلا إثم عليه" [البقرة : 173] . فإن قلت : تعضلوهن ، ما وجه إعرابه؟ قلت : النصب عطفا على "أن ترثوا" و "لا" لتأكيد النفي . أي : لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن . فإن قلت : أي فرق بين تعدية ذهب بالباء ، وبينها بالهمزة؟ قلت : إذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب ، كقوله تعالى
فلما ذهبوا به [يوسف : 15] وأما الإذهاب فكالإزالة . فإن قلت :
إلا أن يأتين ما هذا الاستثناء؟ قلت : هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له ، كأنه قيل : ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة . أو : ولا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة . فإن قلت : من أي وجه صح قوله :
فعسى أن تكرهوا : جزاء للشرط؟ قلت : من حيث إن المعنى : فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة ، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه، فإن قلت : كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤكم؟ قلت : كما استثنى من قوله [من الطويل] :
غير أن سيوفهم . . . ولا عيب فيهم . . .
يعني : إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف ، فانكحوه فلا يحل لكم غيره ، وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته ، كما يعلق بالمحال في التأييد نحو قولهم : حتى يبيض القار ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط .