إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين
فإن قلت : بم يتعلق : "إذ تستغيثون"؟
قلت : هو بدل من : "إذ يعدكم" ، وقيل بقوله :
ليحق الحق ويبطل الباطل [الأنفال : 8] واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال ، طفقوا يدعون الله ويقولون : أي : ربنا ، انصرنا على عدوك ، يا غياث المستغيثين ، أغثنا ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=660317أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى المشركين وهم ألف ، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ، فاستقبل القبلة ، ومد يديه يدعو : "اللهم ، أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة ، لا تعبد في الأرض" ، فما زال كذك حتى سقط رداؤه ، فأخذه nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - فألقاه على منكبه ، والتزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ; فإنه سينجز لك ما [ ص: 558 ] وعدك أني ممدكم : أصله : بأني ممدكم ، فحذف الجار ، وسلط عليه استجاب فنصب محله ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو أنه قرأ : "إني ممدكم" : بالكسر ، على إرادة القول ، أو على إجراء استجاب مجرى "قال" ; لأن الاستجابة من القول .
فإن قلت :
هل قاتلت الملائكة يوم بدر؟
قلت : اختلف فيه ، فقيل :
نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة ، وفيها nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر وميكائيل في خمسمائة على الميسرة ، وفيها nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في صور الرجال ، عليهم ثياب بيض ، وعمائم بيض ، وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم ، فقاتلت ، وقيل : قاتلت يوم بدر ، ولم تقاتل يوم الأحزاب ، ويوم حنين ، وعن أبي جهل أنه قال nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ، ولا نرى شخصا؟ قال : من الملائكة ، فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم ، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=889834أن رجلا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين ، إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه ، فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيا وشق وجهه ، فحدث الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "صدقت ، ذاك من مدد السماء" وعن
أبي داود المازني : تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم
بدر ، فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي ، وقيل : لم يقاتلوا ; وإنما كانوا يكثرون السواد ، ويثبتون المؤمنين ، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم ، فإن
جبريل - عليه السلام - أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم
لوط ، وأهلك بلاد ثمود قوم
صالح بصيحة واحدة ، وقرئ "مردفين" : بكسر الدال وفتحها ، من قولك : ردفه إذا تبعه ، ومنه قوله تعالى :
ردف لكم بعض الذي تستعجلون [النمل : 72] ، بمعنى : ردفكم ، وأردفته إياه : إذا أتبعته ، ويقال : أردفته ; كقولك : أتبعته ، إذا جئت بعده ، فلا يخلو المكسور الدال من أن
[ ص: 559 ] يكون بمعنى متبعين ، أو متبعين ، فإن كان بمعنى : متبعين ، فلا يخلو من أن يكون بمعنى : متبعين بعضهم بعضا ، أو متبعين بعضهم لبعض ، أو بمعنى : متبعين إياهم المؤمنين ، أي : يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم ، أو متبعين لهم يشيعونهم ، ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم ; ليكونوا على أعينهم وحفظهم ، أو بمعنى : متبعين أنفسهم ملائكة آخرين ، أو متبعين غيرهم من الملائكة ; ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران :
بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين [آل عمران : 124]
بخمسة آلاف من الملائكة مسومين [آل عمران : 125] ، ومن قرأ : " مردفين " : بالفتح ، فهو بمعنى : متبعين أو متبعين ، وقرئ : " مردفين" ، بكسر الراء وضمها وتشديد الدال ، وأصله "مرتدفين" ، أي : مترادفين أو متبعين ، من ارتدفه ، فأدغمت تاء الافتعال في الدال ، فالتقى ساكنان ، فحركت الراء بالكسر على الأصل ، أو على إتباع الدال ، وبالضم على إتباع الميم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "بآلاف من الملائكة" ، على الجمع ليوافق ما في سورة آل عمران .
فإن قلت : فبم يعتذر لمن قرأ على التوحيد ، ولم يفسر المردفين بإرداف الملائكة ملائكة آخرين ، والمردفين بارتدافهم غيرهم؟
قلت : بأن المراد بالألف من قاتل منهم ، أو الوجوه منهم الذين من سواهم أتباع لهم .