قوله عز وجل:
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن السائل
ثابت بن الدحداح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، وغيره: إنما سألوا لأن
العرب في
المدينة وما والاها، كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل ، في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهن فنزلت الآية في ذلك.
و"المحيض": مصدر كالحيض، ومثله: المقيل، من قال يقيل. قال
الراعي :
[ ص: 543 ] بنيت مرافقهن فوق مزلة لا يستطيع بها القراد مقيلا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : "المحيض": اسم الحيض، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة في العيش:
إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي
و"أذى" لفظ جامع لأشياء تؤذي: لأنه دم وقذر ومنتن، ومن سبيل البول: وهذه عبارة المفسرين للفظة.
وقوله تعالى: "فاعتزلوا" يريد: جماعهن بما فسر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يشد الرجل إزار الحائض ثم شأنه بأعلاها، وهذا أصح ما ذهب إليه في الأمر، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ، و
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، وجماعة عظيمة من العلماء.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال: الذي يجب اعتزاله من الحائض الفرج وحده.
وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة . وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16536وعبيدة السلماني أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت، وهذا قول شاذ. وقد وقفت على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عليه خالته ميمونة رضي الله عنهما وقالت له: أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
وقوله تعالى:
ولا تقربوهن حتى يطهرن قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم في رواية
حفص عنه: "يطهرن" بسكون الطاء وضم الهاء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=12053والمفضل عنه: "يطهرن" بتشديد الطاء والهاء وفتحها.
وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله : "حتى يتطهرن". وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : "ولا تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهن حتى يتطهرن".
ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن، لإجماع الجميع على
[ ص: 544 ] أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر. قال: وإنما الاختلاف في
الطهر، ما هو؟ فقال قوم: هو الاغتسال بالماء، وقال قوم: هو وضوء كوضوء الصلاة، وقال قوم: هو غسل الفرج، وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة.
ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت وهو ثلاثي.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: وكل واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء، وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال أذاه.
وما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري من أن قراءة شد الطاء مضمنها الاغتسال، وقراءة التخفيف مضمنها انقطاع الدم، أمر غير لازم، وكذلك ادعاؤه الإجماع. أما إنه لا خلاف في
كراهية الوطء قبل الاغتسال بالماء.
وقال والأوزاعي: من فعله تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار. وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=666548عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الدينار في الدم، والنصف عند انقطاعه. ووردت في الشدة في هذا الفعل آثار. وجمهور العلماء على أنه ذنب عظيم يتاب منه، ولا كفارة فيه بمال.
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك -يرحمه الله- وجمهور العلماء، إلى أن الطهر الذي يحل جماع الحائض التي يذهب عنها الدم، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره.
وقال
يحيى بن بكير ،
وابن القرظي : إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء; حلت لزوجها وإن لم تغتسل. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاووس : انقطاع الدم يحلها لزوجها، ولكن بأن تتوضأ.
[ ص: 545 ] و"حتى" غاية لا غير، "وتقربوهن" يريد بجماع، وهذا من سد الذرائع.
وقوله تعالى:
فإذا تطهرن الآية. القراءة "تطهرن" بتاء مفتوحة وهاء مشددة، والخلاف في معناه كما تقدم من التطهير بالماء أو انقطاع الدم.
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وجماعة من العلماء يقولون هنا: إنه أريد الغسل بالماء، ولا بد، بقرينة الأمر بالإتيان. وإن كان قربهن قبل الغسل مباحا، لكن لا تقع صيغة الأمر من الله تعالى إلا على الوجه الأكمل.
"فأتوهن" إباحة، والمعنى: "من حيث أمركم الله" باعتزالهن وهو الفرج، أو من السرة إلى الركبتين، أو جميع الجسد حسبما تقدم. هذا كله قول واحد. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبو رزين : المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد بن الحنفية : المعنى من قبل الحلال لا من قبل الزنى، وقيل: المعنى من قبل حال الإباحة لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك.
والتوابون: الراجعون، وعرفه: من الشر إلى الخير.
والمتطهرون: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، وغيره: المعنى بالماء وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وغيره: المعنى: من الذنوب. وقال أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : المعنى: من إتيان النساء في أدبارهن.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم
لوط :
أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف : "المطهرين" بشد الطاء والهاء.
وقوله تعالى:
نساؤكم حرث لكم الآية قال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع : سببها أن اليهود قالت: إن الرجل إذا أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول وعابت
[ ص: 546 ] على
العرب ذلك، فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وغيرها: سببها أن
قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة، فلما قدموا
المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك فلم ترده نساء
المدينة ، إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة، وهي الانبطاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر كلام الناس في ذلك، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها، إذا كان الوطء في موضع الحرث.
و"حرث" تشبيه لأنهن مزدرع الذرية، فلفظة "الحرث" تعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع.
وقوله:
أنى شئتم معناه: عند جمهور العلماء -من صحابة وتابعين وأئمة- أي وجه شئتم، مقبلة ومدبرة وعلى جنب. و"أنى" إنما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات، فهي أعم في اللغة من "كيف" ومن "أين" ومن "متى"، هذا هو الاستعمال العربي.
وقد فسر الناس "أنى" في هذه الآية، بهذه الألفاظ، وفسرها
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بـ (كيف ومن أين) باجتماعهما. وذهبت فرقة ممن فسرها بـ "أين" إلى أن الوطء في الدبر جائز، روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر وروي عنه خلافه وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به. ورويت الإباحة أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر ، ورواها
مالك عن يزيد بن رومان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك شيء في نحوه، وهو الذي وقع في العتبية، وقد كذب ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وروى بعضهم أن رجلا فعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس فيه فنزلت هذه الآية.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، وفي غيره أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=11382إتيان النساء [ ص: 547 ] في أدبارهن حرام ، وورد عنه فيه أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=690661ملعون من أتى امرأة في دبرها . وورد عنه أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=677144من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الحق المتبع، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، والله المرشد لا رب غيره.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : معنى قوله تعالى:
وقدموا لأنفسكم أي الأجر في تجنب ما نهيتم عنه، وامتثال ما أمرتم به. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي إشارة إلى ذكر الله على الجماع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650138لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره .
وقيل: معنى ( قدموا لأنفسكم ) طلب الولد،
واتقوا الله : تحذير،
واعلموا أنكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير، أي فهو مجازيكم على البر والإثم
وبشر المؤمنين تأنيس لفاعلي البر ومتبعي سنن الهدى.
وقوله تعالى:
ولا تجعلوا الله عرضة الآية "عرضة" فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول: جمل عرضة للركوب، وفرس عرضة للجري، ومنه قول
كعب بن زهير :
[ ص: 548 ] من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
ومقصد الآية: ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان، فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى.
ثم اختلف المتأولون; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع ، وغيرهم: المعنى: فيما تريدون الشدة فيه، من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : التقدير: لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا. وقدره
المهدوي : كراهة أن تبروا. وقال بعض المتأولين: المعنى: ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير "لا" بعد "أن". ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه، ويحتمل أن يكون على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نزلت في
تكثير اليمين بالله، نهيا أن يحلف الرجل به برا، فكيف فاجرا"؟ فالمعنى: إذا أردتم لأنفسكم البر. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره: معنى الآية: أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى فقال: علي يمين وهو لم يحلف. و"أن تبروا" مفعول من أجله، والبر جميع وجوه الخير. بر
[ ص: 549 ] الرجل إذا تعلق به حكمها ونسبها، كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك، وهو مضاد للإثم إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي و"سميع" أي لأقوال العباد، "عليم" بنياتهم، وهو مجاز على الجميع.
وأما سبب الآية، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن
مسطح بن أثاثة حين تكلم
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح في حديث الإفك. وقيل: نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق مع ابنه
عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ألا يأكل الطعام. وقيل: نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة مع
بشير بن سعد حين حلف ألا يكلمه.
واليمين: الحلف، وأصله أن
العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا.