قوله عز وجل:
والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب
هذه صفة حالة مضادة للمتقدمة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله تعالى:
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل أنه روي:
"إذا لم تمش إلى قريبك برجلك ولم تواسه بمالك فقد قطعته"، وقال
مصعب بن سعد: سألت أبي عن قوله تعالى:
هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم
الحرورية؟ قال: لا، ولكن
الحرورية هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وتلا هذه الآية، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله
[ ص: 202 ] عنه يجعل فيهم الآيتين. و "اللعنة": الإبعاد من رحمة الله ومن الخير جملة، و
سوء الدار ضد
عقبى الدار ، والأظهر في الدار هنا أنها دار الآخرة، ويحتمل أن تكون الدنيا على ضعف.
وقوله تعالى:
الله يبسط الرزق الآية. لما أخبر تعالى عمن تقدمت صفته بأن لهم اللعنة ولهم سوء الدار أنحى بعد ذلك على أغنيائهم، وحقر شأنهم وشأن أموالهم، والمعنى أن هذا كله بمشيئة الله، يهب الكافر المال ليهلكه به، ويقدر على المؤمن ليعظم بذلك أجره وذخره. وقوله: "ويقدر" التقدير، فهو مناقض لـ "يبسط"، ثم استجهلهم في قوله تعالى:
وفرحوا بالحياة الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة متاع ذاهب مضمحل، يستمتع به قليلا ثم يفنى. و"المتاع": ما يتمتع به مما لا يبقى، وقال الشاعر:
تمتع يا مشعث إن شيئا ... سبقت به الممات هو المتاع
وقوله تعالى:
ويقول الذين كفروا الآية، هذا رد على مقترحي الآيات من كفار
قريش ، كسقوط السماء عليهم كسفا، ونحو ذلك من قولهم: سير عنا الأخشبين، واجعل لنا البطاح محارث ومغترسا
كالأردن، وأحي لنا مضيا وأسلافنا، فلما لم يكن ذلك بحسب أن آيات الاقتراح لم تجر عادة الأنبياء بالإتيان بها إلا إذا أراد الله تعذيب قوم قالوا هذه المقالة، فرد الله عليهم، أي أن نزول الآية لا تكون معه ضرورة إيمانكم ولا هداكم، وإنما الأمر بيد الله يضل من يشاء ويهدي إلى طاعته والإيمان به من أناب إلى الطاعة وآمن بالآيات الدالة. ويحتمل أن يعود الضمير في "إليه" على القرآن الكريم، أو على
محمد صلى الله عليه وسلم.
و"الذين" بدل من "من" في قوله:
من أناب ، وطمأنينة القلوب هي الاستكانة والسرور بذكر الله والسكون به كمالا به، ورضى بالثواب عليه، وجودة اليقين. ثم
[ ص: 203 ] استفتح الإخبار بأن طمأنينة القلوب بذكر الله تعالى، وفي هذا الإخبار حض وترغيب في الإيمان، والمعنى: أن بهذا تقع الطمأنينة لا بالآيات المقترحة، بل ربما كفر بعدها فنزل العذاب كما سلف في بعض الأمم.
و"الذين" الثاني ابتداء وخبره
طوبى لهم ، ويصح أن تكون "الذين" بدلا من الأولى. و"طوبى" ابتداء و"لهم" خبره. وطوبى اسم، يدل على ذلك كونه ابتداء، وهي فعلى من الطيب في قول بعضهم، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بها مذهب الدعاء، وقال: هي في موضع رفع، ويدل على ذلك رفع "وحسن"، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب: وقرئ: "وحسن" بالنصب، فـ "طوبى" -على هذا- مصدر، كما قالوا: سقيا لك، ونظيره من المصادر: الرجعى والعقبى. قال
ابن سيدة: والطوبى جمع طيبة -عن كراع-، ونظيره كوسى في جمع كيسة، وصوفى في جمع صيفة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي قرأ: "وحسن" بالنصب هو
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة.
واختلف في معنى "طوبى" -فقيل: معناه: خير لهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة : معناه: نعم لهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : معناه: غبطة لهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية، وقال
سعيد بن مشجوح: اسم الجنة طوبى بالهندية، وقيل: طوبى اسم شجرة في الجنة، وبهذا تواترت الأحاديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692090 "طوبى شجرة في الجنة، يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرؤوا إن شئتم: وظل ممدود ".
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وعن
مغيث بن سمي، وعتبة بن عبد يرفعه أخبارا
[ ص: 204 ] مقتضاها أن هذه الشجرة ليس دار في الجنة دار إلا وفيها من أغصانها، وأنها تثمر بثياب أهل الجنة، وأنها تخرج منها الخيل بسرجها ولجمها، ونحو هذا مما لم يثبت سنده.
و "المآب": المرجع والمال، من آب يؤوب، ويقال في طوبى: طيبى.