والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون والذين كذبوا بآياتنا شروع في تحقيق الحق الذي به يهدي الهادون ، وبه يعدل العادلون ، وحمل الناس على الاهتداء به على وجه الترهيب ، ومحل الموصول الرفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده من الجملة الاستقبالية ، وإضافة الآيات إلى نون العظمة لتشريفها ، واستعظام الإقدام على تكذيبها ; أي : والذين كذبوا بآياتنا التي هي معيار الحق ، ومصداق الصدق والعدل .
سنستدرجهم ; أي : نستدنيهم البتة إلى الهلاك شيئا فشيئا ، والاستدراج : استفعال من درج ; إما بمعنى : صعد ثم اتسع فيه ، فاستعمل في كل نقل تدريجي ، سواء كان بطريق الصعود ، أو الهبوط ، أو الاستقامة ، وإما بمعنى : مشى مشيا ضعيفا ، وإما بمعنى : طوى .
والأول هو الأنسب بالمعنى المراد ، الذي هو النقل إلى أعلى درجات المهالك ليبلغ أقصى مراتب العقوبة والعذاب ، ثم استعير لطلب كل نقل تدريجي من حال إلى حال من الأحوال الملائمة للمنتقل الموافقة لهواه ، بحيث يزعم أن ذلك ترق في مراقي منافعه ، مع أنه في الحقيقة ترد في مهاوي مصارعه ، فاستدراجه سبحانه إياهم : أن يواتر عليهم النعم مع انهماكهم في الغي ، فيحسبوا أنها لطف لهم منه تعالى ، فيزدادوا بطرا وطغيانا ، لكن لا على أن المطلوب تدرجهم في مراتب النعم ، بل هو تدرجهم في مدارج المعاصي إلى أن يحق عليهم كلمة العذاب على أفظع حال وأشنعها ، والأول وسيلة إليه .
وقوله تعالى :
من حيث لا يعلمون متعلق بمضمر وقع صفة لمصدر الفعل المذكور ; أي : سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون أنه كذلك ، بل يحسبون أنه أثرة من الله عز وجل وتقريب منه ، وقيل : لا يعلمون ما يراد بهم .