[ ص: 51 ] إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين إنما يعمر مساجد الله الكلام في إيراد صيغة الجمع كما مر فيما مر، خلا أن إرادة جميع المساجد وإدراج المسجد الحرام في ذلك غير مخالفة لمقتضى الحال، فإن الإيجاب ليس كالسلب، وقد قرئ بالإفراد أيضا، والمراد ههنا أيضا قصر تحقق العمارة ووجودها على المؤمنين لا قصر جوازها ولياقتها، أي: إنما يصح ويستقيم أن يعمرها عمارة يعتد بها
من آمن بالله وحده
واليوم الآخر بما فيه من البعث والحساب والجزاء حسبما نطق به الوحي
وأقام الصلاة وآتى الزكاة على ما علم من الدين، فيندرج فيه الإيمان بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتما، وقيل: هو مندرج تحت الإيمان بالله خاصة، فإن أحد جزأي كلمتي الشهادة علم للكل، أي: إنما يعمرها من جمع هذه الكمالات العلمية والعملية، والمراد بالعمارة ما يعم مرمة ما استرم منها، وقمها، وتنظيفها، وتزيينها بالفرش، وتنويرها بالسرج، وإدامة العبادة والذكر، ودراسة العلوم فيها، ونحو ذلك، وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا.
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش».
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=931987«قال الله تعالى: إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره».
وعنه - صلى الله عليه وسلم -:
«من ألف المسجد ألفه الله تعالى».
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=677307«إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان».
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه -:
«من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوءه». ولم يخش في أمور الدين
إلا الله فعمل بموجب أمره ونهيه غير آخذ له في الله لومة لائم، ولا خشية ظالم، فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال، ونحو ذلك.
وأما الخوف الجبلي من الأمور المخوفة فليس من هذا الباب، ولا مما يدخل تحت التكليف والخطاب، وقيل: كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فأريد نفي تلك الخشية عنهم.
فعسى أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجميلة
أن يكونوا من المهتدين إلى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية، وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية في معرض التوقع لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم بأنهم مهتدون، فإن المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات - إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى - فما بال الكفرة وهم هم وأعمالهم أعمالهم؟!! وفيه لطف للمؤمنين، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، ورفض الاعتذار بالله تعالى.