[ ص: 1137 ] هذا الدرس بطوله لحمة واحدة ; يتناول موضوعا متصل الفقرات . . إنه يعالج الموضوع الأساسي في السورة - وهو بناء العقيدة على قاعدة من التعريف الشامل بحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية ، وما بينهما من ارتباطات - ولكنه يعالجه في أسلوب آخر غير ما جرى به السياق منذ أول السورة . . يعالجه في أسلوب القصص والتعقيب عليه . . مع استصحاب المؤثرات الموحية التي تزخر بها السورة ; ومنها مشهد الاحتضار الكامل السمات ; وذلك كله في نفس طويل رتيب يتوسط الموجات المتلاحقة التي تحدثنا عنها في تقديم السورة . .
ثم يمضي السياق مع موكب الإيمان الموصول ، يقوده الرهط الكريم من رسل الله على توالي العصور ; حيث يبدو شرك المشركين وتكذيب المكذبين لغوا لا وزن له ، يتناثر على جانبي الموكب الجليل ، الماضي في طريقه الموصول . وحيث يلتحم آخره مع أوله ; فيؤلف الأمة الواحدة ، يقتدي آخرها بالهدى الذي اهتدى به أولها ، دون اعتبار لزمان أو مكان ; ودون اعتبار لجنس أو قوم ، ودون اعتبار لنسب أو لون . . فالحبل الموصول بين الجميع هو هذا الدين الواحد الذي يحمله ذلك الرهط الكريم .
إنه مشهد رائع كذلك ; يبدو من خلال قول الله تعالى لرسوله الكريم بعد استعراض الموكب العظيم :
وبعد استعراض هذا الموكب الجليل يجيء التنديد بمن يزعمون أن الله لم يرسل رسلا ، ولم ينزل على بشر كتابا . . إنهم لم يقدروا الله حق قدره . فما قدر الله حق قدره من يقول : إنه - سبحانه - تارك الناس لأنفسهم وعقولهم وما يتعاورها من الأهواء والشهوات والضعف والقصور . فما يليق هذا بألوهية الله وربوبيته ، وعلمه وحكمته وعدله ورحمته . . إنما اقتضت رحمة الله وعلمه ورحمته وعدله أن يرسل إلى عباده رسلا ، وأن ينزل على بعض الرسل كتبا ، ليحاولوا جميعا هداية البشرية إلى بارئها ، واستنقاذ فطرتها من الركام الذي يرين عليها ، ويغلق منافذها ، ويعطل أجهزة الالتقاط والاستجابة فيها . . ويضرب مثلا الكتاب الذي أنزل على موسى . وهذا الكتاب الذي يصدق ما بين يديه من الكتب جميعا . .